أوصت لجنة العشرة، ذات الطابع القانونى، التى شُكلت بغرض تقديم مقترحات تعديل الدستور للجنة ال 50، بالعودة لنظام الانتخاب الفردى، الذى كان معمولا به فى السابق، وذلك فى الانتخابات البرلمانية التى ستجرى بعد عدة أسابيع من الآن، أى بعد أيام معدودة من الاستفتاء على الدستور، ويثير هذا الأمر العديد من المخاوف التى سبق وحذرنا منها مراراً، مقابل إقرار نظام الانتخاب بالقوائم النسبية الحزبية المنقوصة. هنا نشير لما يلى: أولا: إنه على الرغم من أن نظام الانتخاب الفردى هو النظام الذى اعتاده المصريون منذ عام 1866 حتى الآن، سواء أجرى هذا النظام بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، وذلك باستثناء السنوات الست من 1984-1990، إلا أن هذا النظام يعيدنا لشخصنة الحياة السياسية. وكلنا يعلم أننا فى حاجة ماسة إلى تسييس العملية الانتخابية وليس شخصنتها، وتلك العملية لا مجال لتسييسها سوى العودة إلى العمل الحزبى. فكما أن المصانع والبورصة والاستثمارات هى أساس التنمية الاقتصادية فى أى مجتمع، فإن الأحزاب السياسية هى أساس أى عمل يهدف إلى تحقيق التنمية السياسية. ثانياً: إننا ونحن فى مرحلة من مراحل القضاء على إرهاب جماعة الإخوان المسلمين، نحتاج إلى المساعدة لتحقيق ذلك، ليس فقط من خلال تفكيك أبنية تلك الجماعة التنظيمية والمالية والمعلوماتية، بل أيضاً من عدة سبل أخرى، منها النظامان الانتخابى والحزبى. ومما لا شك فيه أن النظام الانتخابى الفردى سيعيد للجماعة الوجود مرة أخرى فى الشارع، ومن ثم فى البرلمان. هنا نشير إلى أن وجود قانون للأحزاب السياسية يؤسس على مبدأ عدم تأسيس أحزاب على أسس دينية أو على أسس ذات مرجعيات دينية، سيؤدى حتماً إلى حل حزب الحرية والعدالة، ومن ثم وضع قيود كبيرة على الجماعة للمشاركة فى أى انتخابات على أساس نظام القوائم. ربما يقول قائل إن الجماعة لا تعدم السبيل لشراء أى حزب للمشاركة فى العملية الانتخابية عبر القوائم الحزبية، لكن الرد على هذا الأمر أننا سنكون وضعنا على الأقل عقبة كئود أمام تلك الشراكة، بل إن الأحزاب المدنية التى ربما تُشترى لتحقيق ذلك يمكن ملاحقتها قضائياً، بعد رؤية بعض رموز جماعة الإخوان على رؤوس القوائم المرشحة بتلك الأحزاب المدنية. ثالثاً: أن اللجنة ذات الطابع القضائى أوصت بنظام يميل للنظام البرلمانى أكثر من النظام الرئاسى، وهذا الأمر يبدو متناقضا كلية مع ما أوصت به اللجنة من العودة للنظام الفردى. فالنظام البرلمانى يعتمد على تأسيس حكومة أغلبية، وأن تلك الحكومة تنبع من الحزب الفائز أو الائتلاف الحزبى الفائز، فأين لهذا الوضع أن يقوم من نظام الانتخاب الفردى، الذى سيفوز المستقلون فى غالبيته العظمى كما جرت التجارب السابقة؟! إن المشكلة كل المشكلة أننا وضعنا رقابنا تحت إمرة لجنة قضائية كان يفترض أن تنسق وتصيغ ما تقوم به لجنة الخمسين الممثلة لأطياف المجتمع، لكن الإعلان الدستورى قلب لنا الآية وجعلها تسبق وتتحكم فيما ستقوم به لجنة ال50. رابعاً: أن نظام الانتخاب الفردى سينسف من واقع التجارب السابقة أى مشاركة حقيقية للمرأة فى البرلمان السابق، ولعل الإحصاءات التى تحدد عدد النساء فى البرلمانات القائمة منذ عام 1990-2010، توضح هذا العنصر بجلاء. وعلى العكس فإن نظام القوائم تستطيع المرأة أن تبلى فيه بلاء حسناً، لا سيما لو تدعم بنظام كوتة للتمثيل، أى الكوتة الإجبارية بتمثيل عدد محدد فى البرلمان، أو كوتة للترشيح بإجبار الأحزاب على وضع المرأة فى مكان محدد فى القوائم الحزبية المرشحة. خامساً: أن نظام الانتخاب الفردى يمنع الأقباط من التمثيل بشكل مرضٍ للجميع فى البرلمان، إذ إن وجود هؤلاء فى القوائم الحزبية يضمن لهم الفوز، على العكس من النظام الفردى، الذى حول البلاد فى ظل المد الدينى إلى ممارسة انتخابية طائفية بامتياز. سادساً: إن هناك علاقة طردية واضحة بين العنف الانتخابى والنظام الفردى، وهناك إحصاءات كثيرة للمقارنة فى هذا الصدد، فالنظام الفردى يتسم بالعصبية والشخصانية، ما يجعله أكثر ارتباطاً بالعنف مقارنة بنظام القوائم الذى تتسع فيه الدوائر الانتخابية، فتذوب الخلافات، التى تتحول إلى خلافات ذات طابع سياسى أو حزبى. سابعاً: إن نظام الانتخاب الفردى يقمع مشاركة الشباب فى الفوز فى الانتخابات، بسبب قلة الإمكانيات. ثامناً: إن نظام الانتخاب الفردى يحد من فوز القوى المدنية لصالح الدينية، وهنا يمكن المقارنة بسهولة ما بين الفائزين فى الانتخابات الأخيرة فى الثلث الفردى بين التيارات المدنية والدينية، سواء فى الجولة الأولى أو الثانية. تاسعاً: إن نظام الانتخاب بالقوائم به عيوب يمكن التعامل معها على عكس مثالب النظام الفردى. هنا نشير إلى عدة أمور. الأمر الأول: أن ترتيب قوائم المرشحين التى تخضع كثيراً إلى رغبات قيادات الأحزاب السياسية يجب التعامل معها، بحيث يخضع هذا الترتيب لعملية ديمقراطية داخلية، وليس استبداد النخب الحزبية. الأمر الثانى هو ما يثار عن إعداد قوائم مستقلين عند إقرار نظام الانتخاب بالقوائم. وهذه الفكرة تتسم بالسوء، لأنها ستجعل الإخوان يتسللون من خلالها إلى الترشح. صحيح أن المحكمة الدستورية سبق أن حكمت عام 1984 وعام 1987 بعدم دستورية نظام القوائم، لأنه لا يمنح المستقلين حق الترشح كالحزبيين، لكن الرد على هذا، هو أن قانون الأحزاب الذى حكمت من أجله المحكمة الدستورية حكمها السابق كان يتسم بتقييد نشأة الأحزاب السياسية، أما الآن فإن هناك حرية كاملة لنشأة أحزاب سياسية، ما يمكن أى مجموعة من المستقلين من تأسيس أحزاب سياسية، ما دام ليس لها ظهير عسكرى أو دينى.