«جنازة الشهيد»، كانت هى كلمة السر التى تقودك إلى داخل «فيشا الكبرى» فى محافظة المنوفية بتشريفة مهيبة من رجال طوال القامة بشوارب كثيفة كل يعرف دوره، ولا يتوانى لحظة عن تأديته، صبية يقفون بالدراجات النارية على أهبة الاستعداد لإيصال الزائرين من وإلى سرادق العزاء الكبير الذى تتقدمه لافتة تنعى شهيد القرية وضحية الهجوم الإرهابى على رفح، محمد على إبراهيم أبوعيدة. مكبرات الصوت انتشرت فى محيط العزاء، تمنعك من الحديث مع من يجاورك، فلا مجال للنقاش والوجوه الحزينة تتحدث وتعبر عن ما يجيش بالصدر من أسى، بينما يقف رجل ستينى يستقبل المواسين له من قريته ومن القرى المجاورة، ويستند إلى رجلين يلازمانه طوال الوقت خشية سقوطة أرضاً من الحزن، والتعب. «أنا كنت هفرح به، كنت هفرح به، وفرحت بيه»، هكذا يلخص الحاج على أبوعيدة والد الشهيد محمد، ل«الوطن» استشهاد نجله فى هجوم إرهابى شنه متطرفون فى رفح بشمال سيناء: «روح هات الشهادة.. راح جاب الشهادة»، كلتا الجملتين تصف حالة الشهيد محمد، الذى كان ينتظر انتهاء مدته العسكرية، ليتمم حفل زفافه فى الأشهر القريبة، لكن رصاصات الغدر حالت بين ذلك. صمت قليلاً، كان يحاول الرجل فتح فمه ليتفوه بكلماته، لكن شيئاً بالداخل كان يسحب أنفاسه، يتحدث أخيراً والدموع تنهمر من عينيه: «أنا عايز السيسى يدفنهم تحت الأرض زى ما كان دافنهم مبارك». من بين آلاف الناس الذين التقاهم خلال عمره الذى قارب الستين، يكن لهم الكراهية، التى اختتمت فصولها بسيناريو الانتقام والثأر، يطلب الحاج على من الفريق أول عبدالفتاح السيسى، أن يصب جام غضبه على الإخوان الذين لا يعرفون ديناً ولا إسلاماً. تلقى خبر وفاة نجله بنفسه، ففى الثامنة والنصف صباح الاثنين الماضى، يجرى اتصالاً هاتفياً بنجله للاطمئنان عليه، لكن المكالمة الأولى لم يرد عليها، ثم الثانية كذلك، حتى أخبره أحد ضباط الجيش للثالثة، باستشهاد نجله قائلاً: «ربنا يصبرك»، ليستقبل الخبر بالصراخ، والبكاء إلى أن تسلم جثمان نجله فى مطار ألماظة فى الحادية عشرة والنصف من مساء ذلك اليوم، ويدفنه فى مدافن القرية، فى جنازة شارك فيها آلاف الرجال من القرى المجاورة ليخيم الحزن عليه قريته حداداً على مقتل شهيدها. يقول: «خلال عملى لمدة 23 عاماً فى القاهرة مع البلدية، اكتشفت حقيقة الإخوان، ونفاقهم وحالتهم المثيرة للريبة، والشفقة منذ عهد مبارك ما راحوش قاتلوا فى القدس ليه»، وطالب بإعدام محمد مرسى الرئيس المعزول على طريقة صدام حسين، جزاء لما اقترفه فى حق مصر، وتقسيمه البلاد ونشر الفتن وقتل الأبرياء، وأشار إلى أن نجله الأصغر حسام 19 عاماً كان سيتقدم غداً إلى الخدمة العسكرية، لكنه لم يذهب ولن يذهب حتى إن كانت غرامته مليون جنيه. طالب والد الشهيد الغاضب أيضاً بارتداء الميرى وتسليحه لمحاربة الإخوان قائلاً: «أنا مش هضرب بالسلاح أنا ما كلتش بقالى يومين ونفسى أكل رقبتهم بعد ما أخلعها بإيدى»، يسرد الحاج على طريقة الانتقام التى يتمناها للثأر لنجله من الإخوان، مؤكداً أن من قتل نجله هم الإخوان وحلفاؤهم من الجماعات الإرهابية، نافياً أن يكون الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع تهاون فى حمايتهم أو قتلهم، قائلاً: «السيسى بيخاف على ابنى أكتر منى، ده ابن السيسى إزاى هيقتله»، محذراً من غدر الإخوان وخيانتهم، قائلاً: «إن بقى دراعك من الإخوان أقطعه». كما وصف محمد أبوحسين خال الشهيد، حادث مقتل الجنود فى الهجوم الإرهابى، بالخيانة التى نفذتها قبائل سيناء، وانتقد ما وصفه بغدر وخيانة صاحب المقهى والسائقين الذين أقلوهم إلى موقع الحادث، قائلاً: «دى صفقة بينهم وتمت، ومخطط إذلالى بشع يعبر عن الخيانة»، مستنكراً تقييد أيدى الجنود من الخلف وإطلاق الرصاص على رؤوسهم وظهورهم.