«العمل فى الحقل» هو اسم لوحة تشكيلية للفنان الكبير حسن سليمان، وهى تصور بقرتين تجران عربة «النورج» الصغيرة فى عملية درس القمح. حركة النورج فى دائرة مغلقة لا تنتهى إلا لكى تبدأ من جديد فى دورة لا نهائية، نراها أيضاً فى السواقى القديمة، ونعرفها فى دورة الشمس والكواكب، وتعيشها حياة الكائنات ومنها البشر، حيث تهدف الحياة فى جوهرها للاستمرار من أب وأم إلى أبناء يعيدون سيرة الآباء والجدود. ولكن ما ينقص هذه الرؤية وهى ترى الحركة فى الثبات أن ترى حركة التطور، فقد انتهى النورج والساقية لصالح آلات ميكانيكية أكثر تطورا من إنتاج تكنولوجيا حديثة، وأصبح المأمول ألا يعيد الأبناء حياة الآباء، بل أن يصبحوا أكثر حرية ورفاهية وصحة وعلما واستمتاعاً. بعض الاتجاهات السياسية تسعى لاستخدام دائرة النورج المغلقة، ولكن تسعى اتجاهات أخرى لكسر هذه الدائرة، نعم ستظل الشمس والكواكب فى دورانها الأبدى، وستظل دورة حياة البشر آباء يورثون أبناءهم حياة جديدة بصفات موروثة، ولكن يجب أن نسعى أن تكون حياتهم أيسر، وأكثر متعة وجمالاً ولنطلق بالحرية إمكانات الإبداع التى تميز البشر فى العلم والمعرفة والفن والجمال. وتسعى الاتجاهات المحافظة إلى إقناع البشر بالرضا بالحال مقابل الحصول على جائزة ما بعد الموت فى جنة موعودة باللذات الحسية المفتقدة فى الحياة عند أغلبية أفراد المجتمع، فنجدهم يبيعون للفقراء جنة الآخرة مقابل فقر الحياة وبؤسها، أما الاتجاهات التنويرية فتحاول حث البشر على تغيير الحياة لصالح سعادتهم ولا تصادر على حقهم فى الحصول على الجنة فى الآخرة. وباستخدام آليات الديمقراطية تسعى الاتجاهات المحافظة لربط تعسفى بين جنة الآخرة واختيارات سياسية عملية فى خلط وتدليس واضحين على الناخبين، مستخدمين لغة مشتركة بين المواطن البسيط وأصحاب هذا الاتجاه، وهو قدسية الدين وإيمان موروث بالمقدسات، ولكن من الناحية الأخرى كثيراً ما تجد قوى التقدم والتحديث صعوبات لشرح رؤيتها لافتقادها أداة التواصل البسيطة ومداخل الوصول إلى عقول وقلوب المواطن البسيط، وهذا هو مأزق قوى التقدم فى العمل فى الحقل السياسى. بالطبع هناك مداخل متعددة منها العمل النقابى اليومى فى تجمعات العمل والدفاع عن الحقوق المشروعة لمئات العاملين فى مختلف المجالات مع التفانى وتقديم النموذج النضالى. وفى مؤتمر نظمته اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الإبداع والفكر قدمت مجموعة من الأبحاث الرائدة والمهمة دستورية وقانونية وسياسية وفكرية وحضرته نخبة من المثقفين فى بداية لحركة نضالية تقوم على أسس علمية، كان من ضمنها بحث قدمه الفنان الكبير عز الدين نجيب عن تجربته الشخصية فى العمل بالحقل الثقافى بعنوان «الحرمان الثقافى بوابة الاستبداد»، يثبت فيه بالتجربة العملية أهمية الثقافة فى العمل فى الحقل السياسى لإيقاظ الجماهير، وشحذ وعيهم وتحيز الجماهير للثقافة واستعدادهم للدفاع عنها عندما يتواصل المثقفون معهم، وهى تجربة تفتح المجال أمام الأحزاب السياسية لتكرارها والتعلم منها كمدخل للعمل فى الحقل السياسى.