قال شريف الديوانى، المدير الإقليمى السابق لمنتدى دافوس الاقتصادى بمنطقة الشرق الأوسط، إن الحكومة مهتمة بالمشروعات القومية الكبرى على حساب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما لا يدفع بعجلة الإنتاج بشكل سريع، وأضاف «الديوانى» فى حوار ل«الوطن» أن ارتفاع الدين أمرخطير وينبغى خفضه، وأن الأمل معقود على التصدير، فى ظل تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة والتحويلات النقدية والبترول، لسداد ديون مصر، مشيراً إلى أن سياسة دعم الصادرات ليست مجدية، إنما المطلوب تعميق الصناعة وتعزيز تنافسيتها.. إلى الحوار. «الديوانى»: الاهتمام بالمشروعات القومية على حساب «الصغيرة» لا يدفع عجلة الإنتاج ما تقديرك لبرنامج الإصلاح الاقتصادى؟ وهل نسير على الطريق السليم من عدمه؟ - أجندة الإصلاح متعددة الأبعاد، أهم ما يميز برنامج الإصلاح هو استهدافه إصلاح الاقتصاد الكلى، وبصفة خاصة النظام النقدى الذى يتناول سعرى الدولار والجنيه، إلى جانب أسعار الفائدة والتضخم، وفى نوفمبر الماضى وصلنا إلى مرحلة اقتصادية حرجة للغاية وغير مبشرة بالخير، ولم يكن من الممكن استمرار الأوضاع كما كانت، ومن الضرورى أن نسأل أنفسنا: «لماذا وصلنا لهذا الوضع؟»، وحقيقةً السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد اتخذ أول إجراءاته الإصلاحية نهاية 2014 خاصةً فيما يتعلق بإصلاح الدعم والمالية العامة، وقد تعامل فى هذا الملف بمنتهى الذكاء والاحترافية، خاصةً لعلمه وعلم الجميع أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه، وأن هناك من هو مستفيد من هذا الوضع كالسوق السوداء، ما استدعى من وزير المالية آنذاك الدكتور أحمد جلال اتخاذ حزمة اقتصادية من القرارات دافعة للنمو ونجحت الحمد لله وقمنا بتقديم الدعم نقدياً مباشراً للمستحقين الفعليين من خلال برامج كتكافل وكرامة، قبل أن نتجه إلى الإصلاح النقدى لعلاج التضخم الناشئ عن تشوهات السياسة النقدية، وقمنا فى هذا الصدد بإقرار ضوابط وقواعد تحظر التعامل فى الدولار، وتجرم المضاربة فى السوق السوداء للعملة، واتخذنا إجراءات ضد قوى السوق وفشلنا، ثم صححنا المسار بالتعامل مع تلك القوى عبر التعويم ورفع أسعار الفائدة ونجحنا وارتفع الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية. إذن أنت تستبشر خيراً بثمار الإصلاح الاقتصادى؟ - صحيح، فأسس الاقتصاد الكلى سليمة، وهناك اهتمام بات جلياً من جانب الحكومة بالصناعات الصغيرة والمتوسطة، لقدرتها على التطور وخلق فرص عمل واتساع قاعدتها فى مصر، وكذا التعليم، خاصةً أن وزير التعليم الحالى د. طارق شوقى أحسبه أفضل وزير تعليم منذ 40 عاماً، لتعامله مع قضية صعبة بطرق علمية متقدمة لإصلاح التعليم، وهو ما سيكون له أثر إيجابى على العدالة الاجتماعية، من خلال خطته لإصلاح الثانوية العامة، القائمة على أساس التعليم بغرض التعلم وليس الحصول على شهادة لدخول المرحلة التعليمية الجامعية. ما تقييمكم لمبادرة البنك المركزى لتشجيع ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ - هناك أخطاء بلاشك، ويجب التعامل على أساس ثلاثة معايير حتى يمكن لهذه المشروعات أن تنجح، أولها أنه يجب النظر إلى هذه الشركات باعتبارها منشآت تجارية تتعامل مع المناخ الاقتصادى شأنها شأن أى شركات ومشروعات كبيرة، علاوةً على أن النظرة لتلك المشروعات، خاصةً أن كثيراً منها غير رسمى، خاطئة، فالمشكلة ليست فى هذه الشركات إنما المشكلة فى القانون، وبالتالى يتعين على الحكومة تعديل القانون لتحفيز تلك الشركات ودفعها لتقنين أوضاعها واندماجها فى القطاع الرسمى، بدلاً من النظرة «قصيرة النظر» لهذه الشركات باعتبارها مصدر دخل ضريبى جديداً، بما فى ذلك التعامل مع ملف التأمينات الاجتماعية، خاصةً أن هذا القطاع يوظف أعداداً كثيفة من المصريين، وهؤلاء لا يخضعون للتأمينات نظراً لارتفاعها، «مفيش عامل هيشتغل ب2000 جنيه شهرياً عنده النية لدفع 40% منها للتأمينات، ولا صاحب العمل كذلك يرغب فى الاشتراك فى التأمينات»، وبالتالى لا يتعاملون مع البنوك، البعد الآخر أنه يتعين على الحكومة التعامل مع تلك المشروعات باعتبارها الجزء الأهم فى الاقتصاد لقدرتها على دفع النمو الاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى الحل الوحيد لزيادة الصادرات، فى ظل ارتفاع مستوى أداء تلك المشروعات، وبالتالى منح الفرصة لتلك الشركات للاندماج فى الاقتصاد الرسمى وتحولها إلى شركات كبيرة، ونحن بحاجة إلى مشروع قانون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والحكومة تعمل عليه حالياً بالفعل، ينبغى كذلك الاستفادة من تجارب الصين وماليزيا وإندونيسيا والبرازيل فى التعامل مع هذه الشركات، والعمل على دعم وتمكين تلك الشركات من التصدير للخارج كى توجد على الساحة العالمية، من خلال آليات من بينها استغلال التكنولوجيا، والتشريعات وغيرها. نحن منذ 6 أشهر نتحدث عن قانون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فى حين أن هناك قوانين أخرى خرجت من مجلس النواب بسرعة كقانون الجمعيات الأهلية، وهذا لا ينبغى أن يكون، نحن نتباطأ فى إقرار قانون مهم كهذا، نحن مهتمون فى مصر حالياً بالمشروعات العملاقة على حساب الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والبنية الأساسية التى تُمهد لها الحكومة ممتازة، لكن هى ليست فى النهاية مصدراً للازدهار الذى من الممكن تحقيقه. «السيسى» تعامل مع ملف الإصلاح الاقتصادى بمنتهى الذكاء والاحترافية.. ونحن حالياً على أعتاب مرحلة جديدة مطلوب فيها التعاون مع قوى السوق معنى ذلك أننا نسير فى الاتجاه الصحيح ولكن ببطء؟ - كلامك صحيح، نحن كمن هو فى طريقه إلى الإسكندرية مستقلاً قطاراً انتهى عمره قبل 100 عام تقريباً، «يعنى إحنا راكبين قطار غلط»، ونحن فى طريقنا للتحول والتطور الاقتصادى والاجتماعى لكن ببطء، وهذا يُحيلنا إلى ما ذكرناه سابقاً من ضرورة أن نتعاون مع قوى السوق أثناء الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، واحترام قوى السوق هذه، وبدونها لا يمكنك التحكم فى السوق، وتخلق بذلك سوقاً سوداء. ألا يُقلقك ارتفاع الدين الخارجى بشكل مرعب كما هو الأمر حالياً بالرغم من الإصلاحات المنفذة؟ - المهم فى الوقت الراهن هو البحث عن طرق لسداد هذه الديون، فمن الضرورى أن نُعيد عجلة الإنتاج والتصدير مرة أخرى، ارتفاع الدين خطير وينبغى خفضه، والمشكلة الأساسية تكمن فى العجز الكبير بموازنة الدولة، وهذه الأموال لو تم توجيهها للإنتاج فليست هناك مشكلة، إلا إنه لا يوجد إنتاج حتى الآن، لدىّ تخوف عميق من اهتمام الدولة والقطاع الخاص بالاستيراد والتصنيع المحلى دون الاهتمام بالتصدير رغم أهميته. ومن أين ستأتى الطفرة بعد كل هذه الإصلاحات؟ - الأمل معقود على التصدير، فى ظل تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة والتحويلات النقدية والبترول، وبإمكان الصادرات سداد ديون مصر، لكن للأسف لا توجد سياسة تشجع الصادرات لدى الحكومة، واستراتيجية وزارة الصناعة لا تركز على الصادرات بشكل كاف مقارنة بإحلال الواردات بالتصنيع المحلى، وينبغى على مصر تشجيع القطاع الخاص وتمكينه لكى يصدر، والانفتاح على العالم كى تزيد صادراتها، وسياسة دعم الصادرات ليست مجدية، إنما المطلوب تعميق الصناعة وتعزيز تنافسيتها. كنت طرفاً فى عملية الخصخصة فى الماضى.. وبما أن الحكومة تشرف على برنامج مشابه حالياً، هل هناك ما يدعونا للتفاؤل بالتجربة الحالية؟ - أنا غير متحمس لعملية الخصخصة، على الرغم من وجود أصول غير مستغلة مملوكة للدولة، إلا إن هناك تاريخاً غير جيد للخصخصة، لما شابها من عدم الشفافية والفساد وغياب المنافسة والعدالة، وأرى أن الوضع مختلف وتكرار ما كان فى الماضى فى عهد حسنى مبارك لم يعد وارداً، وأنا معجب بتعامل الدولة مع الفساد فى الوقت الراهن، ونحتاج استمراره، والخصخصة مطلوبة، لكن لو كنت مسئولاً عن القرار لكنت قد ركزت أكثر على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتصدير والمنافسة والعدالة الاجتماعية وخلق فرص عمل كريمة، لا يقف عند حدود تلقى الأجر إنما الارتقاء بالصحة والتعليم ومستوى المعيشة.