للقبح كما للجمال وجوه كثيرة، لكن القبح ينتج أصعب وأعقد الكوارث، بل إنه فى حد ذاته كارثة وعار، الجمال قوة والقبح ضعف وانهيار. وكل الأديان ضد ما هو قبيح نصا وفعلا ولأننا نعيش مرحلة ينتعش فيها الأداء والسلوك القبيح ولأن هناك ماكينة من التضليل لا تكف عن إنتاج أكاذيب عالية جودة القبح، وكأننا فى حرب مع غارات قبح العنف. من أجل الابتعاد ولو قليلا عن دوامة القبح أنصحك بقراءة كتاب «الجمال فى زمن القبح»، وهو دراسة عميقة لكاتب يمتلك لياقة أدبية رفيعة المستوى هو الدكتور ملاك نصر، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال، يستعرض فيها جميع أنواع الجمال من بيوت التجميل إلى بيوت العبادة مرورا بأهم الأفلام التى تناولت فكرة وفلسفة الجمال ويؤكد الكاتب أن الحل المقترح لأزمة البحث عن الجمال فى زمن القبح يأتى بشكل عملى تطبيقى من خلال التقاء الجانب الأدبى بالروحى، بالمصالحة بين الدينى والدنيوى، باعتبار أن الجمال نقطة مصالحة بين الجانب الروحى والجانب الدنيوى فى الإنسان. ويتساءل: هل من الممكن بالفعل للجانبين الروحى والدنيوى أن يلتقيا معاً؟ ألم يتم فصلهما بشكل أدى فى النهاية إلى تمزيق الإنسان نفسه؟ وهل يمكن أن يكون الجمال نقطة مصالحة وحلاً للصراع داخلنا بين السماء والأرض؟ يربط الكاتب بين الجمال والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن الجمال هو الوجه الآخر لمطالب الثورة المصرية، فإذا كان الخبز يعطى الامتلاء فإن الجمال يمنح الحياة الامتلاء بالحياة، والعدالة الاجتماعية تعنى الحق، وأحد مظاهر القبح غياب الحق، أما الحرية فهى روح الجمال، التى تنتصر على حرائق القبح والجمال والخراب. ويتطرق الكاتب لظاهرة تغيير الجلد على كل المستويات. ولأننا نعيش مرحلة تغيير الجلد سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، ولأننا فى مرحلة العمليات الجراحية السياسية الكبرى فإننا نحتاج بالتوازى تغييرا أعمق وعمليات جراحية أكبر للشخصية المصرية وهناك بشر كثر يحتاجون لإجراء عمليات تجميل واسعة النطاق فى العقل والنفس. الوطن يحتاج إلى تغييرات للأعضاء الفاسدة بالجسد السياسى وزراعة أعضاء جديدة. صحية وصحيحة بدلاً من الأجزاء المعتلة التى احتلتها كل الأمراض الخبيثة. عندما يحدث ذلك سيكون الناتج فكرا جميلا يؤدى إلى وعى وفعل أجمل. مصر تحتاج بعد التخلص من تلال وجبال القبح التى تكتم على أنفاسها وتعيق حركتها إلى أن تزهو بسيمفونية عمل وأداء شعبى كامل دسم الدقة والصدق والضمير. الإنسان المصرى قادر على تحقيق أهدافه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وقيم الجمال والحق والخير وعبادة العمل والعمل بروح العبادة.