ليس بالماء والطعام فقط يحيا البشر، ربما تمثل الثقافة مكوناً مهما فى بناء الفرد والجماعة. الثقافة صارت فى ذيل اهتمامات أولى الأمر الذين يفتقرون إلى الثقافة فيصدق القول فيهم «فاقد الشىء لا يعطيه»، ومن هنا يصبح لزاماً على الدولة والمواطنين تبعات لا بد من تحملها إن كان لهذا البلد ظل حب فى قلوبنا. ليت المؤسسات الثقافية يقوم عليها مثقفون يؤمنون بدور الثقافة فى البناء، ليت ميزانية الثقافة ينظر إليها بعين الاعتبار حيث المكون الثقافى للفرد هو الذى يضمن لنا نجاح الفرد أينما وُجِد، يمكن تبنى التثقيف الإجبارى لجموع المواطنين الذين هم خواء فى خواء، وتبدأ عملية غرس بذور الثقافة والتثقيف من البيت، ويمثل الوالد رافداً للتثقيف، ومن هنا لا بد أن نطمئن إلى وجود أب مثقف ومؤمن بالثقافة فى كل بيت، وأيضا الأم التى يمكنها إرضاع الطفل مكونات الثقافة كأنها لبن صدرها، والمدرسة تمثل حقلاً يجنى منه التلميذ ثمرات الثقافة حال وجود المعلم المثقف لا المعلم الذى يتقيأ كماً من المعلومات التى احتواها الكتاب المدرسى لا غير. كما أن مرافق المدرسة وعلى رأسها المكتبة وحجرات الأنشطة تصبح خير معين لذلك، ويمكن للمادة العلمية أن تحوى عناصر ثقافية لا غنى عنها، لماذا لا تبدأ دروس الكيمياء مثلاً بنبذة عن تطور هذا العلم وأهم الإنجازات فى هذا الميدان ونبذة عن بعض الأعلام المتميزين فى الكيمياء، وبالمثل فى صدر كل كتاب فى التخصصات الأخرى، ومن هنا ينهل الطالب معرفة عن علوم وبلدان وأعلام وأحداث تأخذه طوعاً ليرتاد شتى ميادين الثقافة والمعرفة. متى يحق لنا القول بأن فى كل بيت مكتبة؟ متى نؤمن بأن دعم المكونات الثقافية ضرورة؟ متى يمكن الاعتماد على المستوى الثقافى للفرد كواحد من شروط التأهيل لشغل عمل مهم وعام؟ متى نميز بين معنى مثقف ومتعلم أى دارس؟ كثيرون ممن يحملون شهادات أعلى من برج الجزيرة لا يعرفون ولا يدركون أبعد من معلومات حوتها رسائلهم العلمية ويعجز الواحد منهم عن إدراك أبعد من طرف أنفه. تمثل الثقافة إحدى القوى الناعمة التى يمكنها تحقيق ما يعجز عن تحقيقه المدفع والصاروخ، فالثقافة هى ساحة حرب بين كثير من الدول وإن لم تُرَق دماء، وبالثقافة صارت مصر قبلة الناطقين بالعربية، حدث هذا منذ عقود، تلتها عقود أتت على الأخضر واليابس والدور الريادى لمصر قلعة الثقافة. ما أحوجنا لأن نعيد ترميم بنيتنا! ربما يأتى اليوم الذى يعود الكتاب المصرى ودار النشر المصرية والكاتب والأديب والفيلم والمسرحية والممثل والرسام والأغنية واللهجة المصرية والنكتة والفن الشعبى المصرى، يعود كل هؤلاء لتعود معهم مصر، على سبيل المثال: لماذا لا يتم انتقاء عدد من عناوين الكتب المهمة ويتم طباعة الملايين منها ويتم بيعها بأسعار مقبولة؟ كأن يحصل المسافر بالقطار على كتاب بثمنه طبعاً، ويحصل كل من يستخرج رخصة مرور أو رخصة بناء وكل من يستخرج شهادة ميلاد وكل قادم من الخارج عبر المطارات أو الموانئ أو المعابر على كتاب، ويحصل كل متدرب للترقية، وكل طالب مع بداية العام الدراسى على كتاب، وهكذا يتم توزيع ملايين الكتب «المنتقاة بعناية» وذلك فى فترات وجيزة، ويحدث بالمثل مع المسرح ودار الأوبرا وقاعات الموسيقى، لماذا لا نجعل الكتاب كطابع معونة الشتاء التى راجت فى كل فصول العام ولم يشعر الفقراء بالدفء؟! فتحى الصومعى.. مدير مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض الثانوية بسوهاج