فى الحضارات القديمة.. كان لموكب الملوك طقوس خاصة أفرد لها التاريخ صفحات.. فعند الإغريق كان الملك يرتدى من الجواهر وخيوط الذهب والحرير ما ينهك الصناع لسنين وينوء بحمله الرجال. يمضى بخيلاء بين هدير الطبول وتوهج النيران وركوع آلاف الفرسان وملايين البشر، دون أن يلمح وجهاً واحداً يتطلع إليه، أو عيناً تستطيع مواجهة عينيه، فالكل ساجد، رأسه فى الأرض. لتبدأ أعراض أول مرض اخترعه الإنسان ليشقى به على مر العصور. إنه مرض تأليه الملوك، ويكون الثمن أرواح ملايين البشر التى أزهقت وعذبت على يد أنصاف الآلهة التى عبدوها فاحتقرتهم، وسجدوا لها فسحقتهم بنعالها. فالله سبحانه الوحيد الذى كلما تذللت له زاد كرمه ورفعه لشأنك. أما البشر فلأنهم غير مهيئين لتلك الأولوهية المزعومة وغير مبرمجين لاستيعابها يحدث الخلل فى المنظومة الاجتماعية، وتنتج نماذج مريضة أمثال «شاه جاهان»، فعندما ينبهر السائحون أمام روعة تاج محل الذى بناه لتخليد ذكرى زوجته ممتاز محل لا يدركون أنه قطع يد كل الصناع المهرة الذين شيدوه، حتى يظل فريداً، والملك النعمان الذى قذف المهندس العبقرى «سمنار» من فوق قصر الخورنق بعد أن أبدع فى بنائه له، وتلك المسوخ التى عاصرناها بأنفسنا أمثال القذافى ومن على شاكلته التى ملأت التاريخ بقصص دموية مريضة. وقد شخص فلاسفة الإغريق ذلك المرض، وأوجدوا له العلاج فكان سقراط الفيلسوف المنوط بتأديب الملوك الشباب فى أثينا القديمة يعين من يمشى خلف الملك فى موكبه يهمس فى أذنه طول الوقت: تذكر.. لست إلهاً. وأنا أود لو أهمس فى أذن قائد بلدى، مع كل احترامى: لا تستسلم لبطانة النفاق المتأهبة دائماً لطقوس ألوهية ووثنية مقنَّعة.. بدأت تظهر بوادرها على صفحات الجرائد والفضائيات من منافقى كل الأزمنة.. أرجوك لا تمرض بذلك المرض اللعين.. يا سيدى، تذكر.. لستَ إلهاً.