بين فريقين متضادين تدور معركة ساخنة يحاول كل طرف فيها اتهام الآخر وإلقاء المسئولية عليه؛ الطرف الأول هم أنصار الرئيس المنتخب ومن حولهم، الذين يهاجمون وسائل الإعلام بشدة، ويتهمونها بمحاولة إفشال الرئيس ومشروع النهضة، عبر التربص المستمر واختلاق أخبار كاذبة عنه وعن الإسلاميين بشكل عام، والتركيز على السلبيات، حتى لو كانت فردية من بعض المحسوبين على التيار الدينى، وعلى الطرف الآخر يشعر كثير من الإعلاميين أن هذا الهجوم لإرهابهم ومنعهم من انتقاد الرئيس ومحاولة إضفاء القداسة على شخصه، ومن خلف هؤلاء يقف كارهو الإخوان الذين يطربون سعادة وهم يرون ما ينتقص من قدر الإخوان ويثبت وجهة نظرهم السلبية فيهم. لا شك أن هناك حالة من الفوضى الإعلامية التى أعقبت الثورة وتورط فيها كثير من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة وكان للإعلام الإلكترونى الدور الأكبر فى بدء اختلاق الشائعات وتداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك مئات الصفحات الإخبارية المجهولة الهوية، ولكن يبقى التعامل المجتمعى الرشيد هو الفيصل والحاكم فى التعامل مع الشائعات، طبيعتنا كمصريين أننا نميل لتصديق الشائعات بسهولة، حتى لو لم تكن منطقية، فما عشناه من ظلم واستبداد طوال العقود الماضية رسخ بداخلنا نظرية المؤامرة والشك فى كل شىء حولنا، ولذلك نتحول إلى مروجين للشائعات دون أن ندرى، وبحسن نية كامل. خطورة هذا المشهد الضبابى الذى نحياه أن الناس ستفقد الثقة فى الجميع، فموجات التشكيك والاتهام والتخوين ستصيب المجتمع بالانقسام وتجعله معسكرين كل منهما يتربص بالآخر ويتحفز للنيل منه إذا سنحت الفرصة.. لذلك فإن المسئولية -من وجهة نظرى- فى المقام الأول تقع على صناع الإعلام، الذين يوجهون الرأى العام، بالتعامل بمهنية مجردة عن الانتماء الفكرى والاصطفاف السياسى وعدم توظيف أدواتهم ووسائلهم الإعلامية لتكريس حالة الانقسام، وفى الوقت نفسه لا يمنعهم هذا عن كشف الحقيقة وتعرية كل فساد أو انحراف، فالتحول الديمقراطى وترسيخ الممارسة الديمقراطية لن يكتملا إلا بإعلام مهنى جاد لا يتم توظيفه لصالح النظام الحاكم، ولا لصالح أصحاب مصالح معينة. أما مسئوليتنا الاجتماعية كأفراد فتوجب علينا التدقيق فيما يرد إلينا من أخبار وأحداث يجب أن نتعامل معها بمنطق الشك إلى أن تثبت صحتها بشكل يقينى، وأن يعلو بداخلنا صوت الضمير، فلا نبرر لأنفسنا، لاختلافنا السياسى، أن نطعن خصومنا بكذب أو تلفيق أو افتراء وفى الوقت نفسه لن نرضى أن يهدد أحد حرية الإعلام تحت أى ظرف من الظروف.. إن الإعلام صار فى عصرنا هذا إحدى أهم أدوات نهضة الشعوب أو تأخرها، ولكن كما لن نرتضى المساس بحرية الإعلام، فإننا سنقف بقوة أمام محاولات الابتزاز التى كان يمارسها بعض من باعوا ضمائرهم فى زمن النظام البائد وحولوا وسائلهم الإعلامية إلى أدوات لابتزاز السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ومع المضى قدماً فى تهيئة المناخ الديمقراطى بتكاتف الجميع فإن عملية الفرز ستستمر ليعرف الناس الغث من السمين وتبقى المصداقية لمن يستحقونها فقط ويسقط مدعو المهنية. هذا الوطن يحتاج بشدة إلى لحظة تصالح ووفاق من أجل أن ننتشله من الوصول لحافة الهاوية.. ضمائرنا هى صوتنا الحى الذى ينبغى ألا يخفت ولنظل شرفاء فى الخصومة وأخلاقيين فى الصراع السياسى مهما تخلق غيرنا بغير ذلك.. وتمر الأيام وتبقى كلماتنا شاهدة علينا.. فلنختر كيف تشهد علينا.