ما يحدث الآن لا يطمئن ويثير الخوف على المستقبل، وإذا استمر لن ينجح مرسى ولن تنجو مصر! ما زالت كل القوى تتعامل مع مصر على أنها فريسة منهكة يجب الانقضاض عليها فى عز لحظات ضعفها، لينال منها بغيته ولا يهمه إذا زاد الوهن أو مات الوطن. ماذا تعنى الهرولة نحو الانتهاء من الدستور بلجنة مطعون فى صحتها أمام القضاء، ولا تخلو أغراض بعض أعضائها من سوء قصد ورغبة فى استئثار وتوجيه؟ هل أزمات مصر الملحة والضاغطة أقل أهمية من كتابة الدستور الآن بمشكلاته ونزاعاته التى قد تفرق الشمل وتزيد اشتعال النيران، مرة باسم الشريعة، وأخرى لحماية الرئيس؟ أليس الأفضل الآن أن تدار البلاد بالإعلان الدستورى لعدة شهور أو طرح إعلان محدود للاستفتاء، انتظارا لتجاوز أزمة اللجنة الدستورية وإعداد دستور على مهل يليق بمصر العظيمة ويساهم فى بناء دولة مدنية حديثة يشارك فيها كل الأحزاب والقوى السياسية التى تمثل الشعب المصرى تمثيلاً حقيقياً، لا يغيب منه أحد؟ ألا تُقلق تلك الحشود التى تحاصر القصر الجمهورى بطلبات لن يستطيع الرئيس أو غيره تحقيقها لطالبيها بهذه الصورة، فما بين مطالب مشروعة تحتاج إلى وقت وآليات، ومطالب مستغلة الظروف لن ينجح الرئيس فى سماع مشكلة كل مواطن على حدة؟ ولا تستطيع أن تقول لشعب تحمل الكثير من الظلم والإهمال ويعرف أن استقرار الرئيس بمرور الوقت سيباعد بينهما، اصبر واهدأ واطمئن. إذن نحن فى حاجة إلى إنشاء مكاتب للرئاسة فى كل محافظات مصر وظيفتها تلقى مشكلات المواطنين، ودراستها وإرسالها إلى المسئولين، وتحديد موعد للمواطنين للرد على مشكلاتهم. وتصب كل هذه النتائج فى تقارير على مكتب مسئول كبير فى المقر الرئاسى، ليعرض على الرئيس ما يستحق العرض أو التدخل. فإذا اطمأن المواطن على أن صوته يصل، ويعامل باحترام ويرد عليه فى وقت محدد، لن يحتاج للذهاب إلى مقابلة الرئيس شخصياً، ليشكو من ضابط شرطة، أو ترخيص توك توك. ويبقى حادث السويس المفزع الذى راح ضحيته شاب مثل الورد كل جريمته أنه كان يسير مع خطيبته غير المحجبة ولا يمتلك دليلاً على خطبتها سوى «دبلة» فضة، فقتله جهلاء مجرمون، إما باسم دين لا نعرفه ولا يمت بصلة إلى الدين الإسلامى، وإما تنفيذا لمخطط يهدف إلى الفوضى وإثارة الخوف وإفشال التجربة الديمقراطية التى بدأناها. هذه البداية إذا لم تواجه بقوة من الأمن، ويتم القبض على الجناة بسرعة، ستقود إلى جرائم أخرى وتصفية حسابات تلصق بدعوة إلهية لا يعرفها هؤلاء المجرمون وهى «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». مصر فى غرفة «العناية المركزة»، فإذا لم يفق أبناؤها بلا أسماء؛ إخوان، صوفية، سلفية، ليبرالية، ويتفقوا على إنقاذها ومنحها فرصة الحياة الآمنة المستقرة، فسيموت الجميع ويخلفون للأجيال القادمة وطناً ممزقاً، ضعيفاً، وستلعن كتب التاريخ كل من شارك فى قتل وطن عظيم اسمه مصر!