كلما نادانى صوت حنانى نهرته، فلم يعد صوت يعلو فوق صوت الصرامة.. كان يقينى أنى نابه، ذو علامة، لكن الواقع أرانى ضآلة المكانة، وما كنت أظنه عنى يحتذى، لم يجد غير العزوف والانتقاد والملامة، وحيث إن الأمر من يدى بدا أنه تفلت، فليس لى سوى أن ألوذ بالله أسأله السلامة، وأدعوه ملحاً أن يعيدنى لصفاء الابتسامة، فالعظم منى قد وهن، ولم تعد لى قدرة السير فى طريق مظلم، أو حتى فى ممر آخره أسوار مقامة. حين ننظر فى السماء فى طريق مظلم أو حتى فى ممر آخره أسوار مقامة. حين ننظر فى السماء فلا نجد فيها الصفاء، نبحث عن النجوم فتبدو لنا فى وجوم، نحول النظر لأوراق الشجر فتقع عيوننا على الذابل منها لا على النضر، نرشف الماء فنجده مُرا كما الدواء، ولا نستشعر فى شربه رواء، نخطو إلى الطريق فما زلنا نشعر بالضيق فلا يوجد فيه صديق، نبحث فى أنفسنا فنراها بئراً سحيقة مملوءة بكل المشوش من الأفكار، لماذا كل هذا؟ لأننا مصرون على إبداء النصيحة تلو النصيحة -طلبت منا أو لم تطلب- لأبنائنا الراشدين وبناتنا الراشدات، وهم عنها معرضون. نرتدى رداء «الوصىِّ» ولم نخلعه بعد على من بلغ سن الرشد ولم يعد فى موضع «الموصى عليه»، خرج من العباءة وأصبح له حياته الخاصة يتعامل مع الحياة بما لديه من جنات وتربية وما اكتسبه من الآخرين. حان الوقت لكى نكتفى بالنصح فيما يعرضون علينا من مشكلات حياتهم ثم نترك لهم الخيار يأخذون بما نصحنا به أو لا يأخذون، حان الوقت لنقدم لهم الخدمة حين يطلبون ونؤديها كما يريدون دون تعديل، وإن تعذر علينا نردها إليهم هم فيها يتصرفون، لا تغضب ولا تحزن فربما هم الصائبون. حينئذ سنرى السماء صافية والنجوم ساطعة والأشجار مزهرة ناضرة والماء عذبا راويا، والطرقات سنراها متسعة فسيحة، وكل الخلائق فيها خلاننا، علينا ألا نعد أنفاس فلذات أكبادنا عليهم، فما بذرنا سوف نحصد، وهم فى معية الله وكنفه مثلنا تماماً، فلا خوف عليهم، فليس بالضرورة ليكون هذا الجيل صالحاً أن يكون صورة طبق الأصل ممن سبقه، وطالما هم لقيم الأخلاق والفضيلة مبغى الدين الحنيف فى مسعاهم راعون، فليكن لهم ما يريدون، والله الحافظ.