محمد مرسى العياط شخصية مأساوية، تراجيدية بلغة الفنون، بكل معنى الكلمة، وسينتهى كشخوص التراجيديا الإغريقية، نهاية فاجعة. ابن أجير زراعى معدم كان يمكن أن ينتهى فى الحضيض ذاته، تعلم مجاناً بفضل سياسات العصر الناصرى وأسعده الحظ بتمليك والده خمسة أفدنة بفضل برنامج الإصلاح الزراعى لثورة 1952، الذى قاومته جماعة الإخوان المنافقين التى انخرط فى عضويتها بضراوة، وأسعده القدر أيضاً بإكمال تعليمه الجامعى ثم السفر للحصول على شهادة الدكتوراه من الولاياتالمتحدة، حيث قضى عشر سنوات وعاد غير قادر على التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، وربما تكشف الأيام عن أنه أيضاً ارتكب آثاماً أخرى خلال تلك الفترة، وعاد ليلتحق بهيئة التدريس فى جامعة إقليمية، وانتهى فى غفلة من القدر، ولدهشته وعدم تصديق جماعته التى لم يكن يوماً مرشحها الأول لمثل هذا المنصب السامى، رئيساً لمصر. وبعد أن أفسد فى الأرض عاماً كاملاً أسقطته أكبر مظاهرة شعبية فى تاريخ البشرية حاز شعب مصر على سبق شنها والشرف المترتب عليها. وهو الآن يواجه قائمة ضخمة من التهم الجنائية شاملة الخيانة العظمى، التى يعاقب على بعضها بعقوبة الإعدام. كنت أعرف الشخص قبل الثورة حين كانت تجمعنى لقاءات بقيادات الإخوان فى محاولات تشكيل ائتلافات وطنية فى مواجهة حكم الفساد والاستبداد الذى قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه فى يناير 2011. وعندما كان يصدف أن يحضر اللقاء محمد مرسى، كانت تخيّم على الاجتماع سحابة ثقيلة، فالرجل كان أكثر الإخوان جهامة وجموداً وأقلهم بشاشة ووداً وخفة ظل. ونعم، كان بين الإخوان من هو لماح وودود وبشوش، ولكن كثرة منهم تركوا التنظيم المغلق الجهم. فى حديث لهذه الصحيفة فى نوفمبر 2012 بعد أربعة أشهر من إعلان فوز محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية التى أشرف عليها المجلس العسكرى وصفت محمد مرسى بأنه رئيس «زخرفى»، بمعنى أنه ليس فى الحقيقة متخذ القرارات التى يصدرها كرئيس للجمهورية. وفى هذا أحد التفسيرات المنطقية لتأخره الشديد فى إصدار القرارات، مثلاً استغرق تعيينه لرئيس وزراء ثلاثة شهور، ناهيك عن عودته المتكررة عن كثير مما أصدر فعلاً من قرارات وبعد إصدارها بوقت قصير. والتفسير أن التأخير كان لانتظار التعليمات، والعودة كانت بعد تعنيف من الرئاسة الفعلية. مأساة محمد مرسى العياط أنه لن يستطيع أمام المحكمة تبرئة نفسه بقول الحق، بأنه لم يكن مسئولاً عن القرارات التى توجب محاكمته جنائياً. فالمحكمة، فى حدود الإجراءات القضائية المعتادة، سيصعب عليها أن تصدق أن رجلاً بالغاً رشيداً، فى العرف القانونى، أقسم أمام الشعب، ثلاث مرات، على أنه رئيس الجمهورية وعلى احترام القانون والدستور وصيانة أمن الوطن وحقوق المواطنين، أن غيره كان من يحكم مصر فعلاً. وهكذا ستأتى النهاية المأساوية حتمية.