مارس الإعلام الأمريكى ضغوطاً كبيرة على ثورة الشعب المصرى الرائعة فى 30 يونيو، حيث تعمدت وسائل الإعلام الأمريكية وصف ما جرى فى مصر «بالانقلاب العسكرى»، وبالرغم من خروج أكثر من 33 مليون مواطن مصرى فى الشوارع والميادين، لاسترداد ثورتهم من الجماعة الفاشية، معلنين رفضهم المطلق للدولة الدينية، وبعد 30 شهراً فقط من ثورة يناير، لرفض الدولة الاستبدادية، مستلهمين الوعى التاريخى والنضج الحضارى الذى يمتد عبر آلاف السنين. رغم كل ذلك كشفت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن وجهها القبيح، من خلال توجيه وسائلها الإعلامية للهجوم غير المبرر على الثورة المصرية، ومحاولة تصوير ما حدث فى صورة انقلاب عسكرى، وكانت شبكة «CNN» هى رأس الحربة فى هذا الهجوم، فضلاً عن الصحف الأمريكية الموجهة، وقد كشف ذلك عن زيف الديمقراطية الأمريكية، وتسخير وسائل الإعلام لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. وبالرغم من أن حكومة الولاياتالمتحدة لا تستطيع قانوناً السيطرة على وسائل الإعلام الأمريكية، فإنها كثيراً ما تستخدم أساليب العلاقات العامة والإقناع من خلال شركات عملاقة تعمل على تحسين أو تشويه الصورة الذهنية لشخص أو جماعة أو دولة مقابل مبالغ طائلة أو بتأثير جماعات الضغط الموجهة لخدمة مصالح فئات بعينها. وتستطيع الحكومة الأمريكية اختلاق الأحداث مسبقاً أو تسليط الضوء على حدث ما، أو قضية ما من خلال عقد المؤتمرات الصحفية لمؤسسة الرئاسة، ومن خلال السماح للصحفيين بحضور جلسات الكونجرس لجذب اهتمامهم إلى نوعيات معينة من الأخبار والقضايا، وتقوم الحكومة الأمريكية -أحياناً- بحجب بعض المعلومات الحيوية عن الصحافة والجماهير، والتحكم فى توقيت الأخبار وتدفق المعلومات، من خلال التركيز الانتقائى على بعض الأحداث والرموز التى تدعم أهداف الحكومة وسياساتها، وكذلك تستطيع الحكومة الأمريكية أن تؤثر فى التغطية الإخبارية للأحداث من خلال استخدام أساليب الدعاية والإقناع. ويشير تاريخ الممارسة الإعلامية فى المجتمع الأمريكى إلى حالات عديدة عملت فيها الحكومة الأمريكية على حجب المعلومات، وتقييد حرية الصحافة والإعلام، وقد انعكس ذلك فى ضوء حصانة خاصة لرئيس الجمهورية فى حجب المعلومات عن الصحفيين، وعند مواجهة الدولة لخطر حالى وواضح، ولمقاومة التجسس، ولحماية الأمن القومى، وأسرار وزارة الدفاع. ويمكن طرح أمثلة عديدة على زيف الديمقراطية الأمريكية، حيث يتمتع الرئيس الأمريكى منذ أيام «جورج واشنطن» بحصانة خاصة يكفلها الدستور، من خلال التحكم فى نوعية المعلومات التى يبثها للجمهور أو يحجبها عنه، ويعد ذلك جزءاً من الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية فى إدارة الشئون الخارجية وحماية الأمن القومى. وبعد أقل من عشر سنوات على صدور الدستور الأمريكى عام 1789م، فقدت الصحافة الأمريكية حريتها، حين أصدر الكونجرس ما يسمى قانون «التحريض»، ويذهب هذا القانون إلى أن نشر أى انتقادات لرئيس الجمهورية تعد جريمة تستوجب العقاب بالغرامة والسجن. وكان قانون التحريض الأمريكى قد استمد أصوله من التاريخ السابق لسياسات الإقطاع فى أوروبا. وشهدت هذه الفترة حروباً شديدة بين إنجلتراوفرنسا أواخر القرن الثامن عشر، وكان الرئيس الأمريكى «جون آدامز» فى ذلك الوقت يرأس الحزب الفيدرالى الذى كان يتعاطف مع إنجلترا أثناء حربها مع فرنسا، وكان من أهداف هذا الحزب تحييد الولاياتالمتحدة بعيداً عن الحرب الدائرة بين بريطانيا وفرنسا، وكان هذا الحزب الفيدرالى يؤمن بوجود حكومة مركزية قوية يمارس فيها رئيس الجمهورية دوراً مسيطراً. ومن ناحية أخرى كان الحزب الجمهورى يقف على النقيض من هذه الرؤية، وكان يقود هذا الحزب نائب الرئيس الأمريكى فى هذا الوقت «توماس جيفرسون»، وكان الحزب الجمهورى يؤيد الجانب الفرنسى كنوع من رد الجميل للفرنسيين الذين ساندوا الأمريكيين أثناء حرب التحرير من الاستعمار البريطانى. وقد بدا واضحاً أن قانون التحريض هذا يستهدف الصحفيين الذين يعملون فى صحف الحزب الجمهورى. وبعد أن تم انتخاب «توماس جيفرسون» رئيساً للولايات المتحدة عام 1800 أوقف العمل بقانون التحريض، وفى عام 1840 تم إلغاء هذا القانون تماماً، باعتباره غير دستورى، وأصبح من المتاح للصحافة الأمريكية أن تنتقد الحكومة والمسئولين الرسميين بحرية تامة. وخلال الحرب الأهلية الأمريكية فرضت القوات المسلحة رقابة صارمة على نظام التلغراف، لمنع الصحف من استقبال الأخبار التى تصف هزائم الجيش الأمريكى، أو على الأقل تأخير نشرها، وأثناء الحرب العالمية الأولى فرضت الحكومة الأمريكية الرقابة الكاملة على النظام البريدى.. وللحديث بقية.