آن الأوان لوقفة متأنية لصياغة إعلام يُعبّر عن هويتنا وثقافتنا من خلال إنشاء مجلس قومى وطنى مستقل للإعلام الإعلام بكل أشكاله وألوانه له دور كبير فى توعية المواطنين وتشكيل وعيهم ونقل الأخبار والوقائع إليهم دون تحريف أو تشويه، كما أنه يسهم فى الاهتمام بقضايا الأمة والسعى لحل مشاكلها ولفتْ نظر متخذى القرار والجهات المعنية للاهتمام بتلك المشاكل، من خلال استضافة المتخصصين وأصحاب الرأى والفكر وكذلك المسئولين فى المجالات المختلفة. ومن ثمّ إذا كان هذا هو أهم ما يصبو إليه الإعلام ويسعى إليه كوسيلة فاعلة ومؤثرة فى عالمنا المعاصر وخصوصاً المرئى منه، فلماذا لا نرى ذلك على أرض الواقع، ونرى ما لا علاقة له بالإعلام من قريب أو بعيد؟! أقول هناك عدة أسباب كانت سبباً فى ظهور هذه الظاهرة التى تبتعد كل البعد عن المهنية الإعلامية، منها: أولا: حرص النظام البائد لفترة طويلة على جعل الإعلام من أهم وسائله لتغييب وعى الشعب المصرى، وقلب الحقائق وتزييف وعى الأمة، وتشويه صورة المعارضين لسياساته، مما جعل أصحاب الضمائر المهتزة والمتأرجحة وأصحاب المصالح فى مهنة الإعلام بكل أشكاله يسايرون هذا النظام وينافقونه بكل الوسائل من أجل إرضائه ونيل الحظوة والمنصب والجاه. ثانياً: قلة الخبرة لدى الكثير ممن دخلوا هذا المجال، وتصدّر المشهد لمن له قرب وعلاقة برجال النظام السابق، فكلما زاد نفاقهم كانوا أكثر قرباً وحظوة فى تقلّد المناصب القيادية فى كل الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، وهذا لا يعنى بطبيعة الحال عدم وجود الكثير من الشرفاء من أهل المهنة أصحاب الرأى والفكر الذين تمسكوا بمبادئهم التى تربوا عليها، مهما كلفهم ذلك من البعد عن المناصب والأضواء، ومحاربتهم وإقصائهم بكل الوسائل. ثالثاً: دخول بعض رجال الأعمال ممن ليس لهم علاقة بمهنة الإعلام فى المجال الإعلامى، وكان غرضهم فى الأساس الحفاظ على مصالحهم تارة والضغط على النظام السابق تارة أخرى من أجل تحقيق مآربهم، ناهيكم عن سعيهم الدؤوب لتغييب وعى الأمة بالقضايا التافهة، وعدم الاهتمام بالقضايا التى ترفع من شأننا وتعالج قضايانا، وتصدير الأزمات التى تربك المشهد السياسى من جانب وتربك المشاهد من جانب آخر. رابعاً: سيطرة شركات الإعلان على وسائل الإعلام بشتى وسائله، من أجل تحقيق أرباح طائلة بطريقة سريعة، لأن الإعلام بطبيعته صناعة ثقيلة وفى كثير من الأحيان لا يُدرّ أموالاً أو مكاسب إلا بعد فترة طويلة قد لا يصبر عليها صاحب رأس المال، مما يسهم فى عرض ما يرغب فيه الجمهور دون نظر إلى فحواه أو أهميته. خامساً: حالة الضيق والعنت التى يعانى منها الكثير من فئات الشعب المصرى، مما دفع القائمين على وسائل الإعلام، وخصوصاً المرئية، إلى الاهتمام بتفريغ هذا الكبت والضيق بعرض الأفلام والمسلسلات، والتنافس فى شراء الكثير منها، التى تهدف فى الأساس إلى إلهاء الجمهور دون أن تكون ذات مضمون أو رسالة، وخصوصاً فى أوقات معينة مثل شهر رمضان والأعياد. هذه هى أهم الظواهر التى جعلتنا لا نرى إعلاماً مهنياً يبحث عن الحقيقة ويروّج لها، بل هدفه فى الأساس ترويج الشائعات، وشغْل الناس بأمور لا صلة لهم بها فى كثير من الأحيان، وأرى أنه آن الأوان لوقفة متأنية لصياغة إعلام يُعبّر عن هويتنا وثقافتنا من خلال إنشاء مجلس قومى وطنى مستقل للإعلام ليس له علاقة بأى جهة تنفيذية يقوم عليه خيرة أهل المهنة، يضعون له القواعد المرعية والمهنية فى الارتقاء بهذه الصناعة المهمة، مع مراقبة الجمهور والمواطنين لأداء كل وسائل الإعلام والتواصل الدائم مع تلك الوسائل بٍالتوجيه والنقد البنّاء، والاهتمام بشكل علمى بكل القائمين بالاتصال مع الجمهور وتدريبهم وتطويرهم بما يتناسب مع طبيعة المرحلة، والإحسان لمن يُحسن ومعاقبة من يخرج عن أصول المهنة بالوسائل القانونية المتّبعة، مع استخدام كل الوسائل غير التقليدية فى إقناع الجمهور والمشاهد بأن الإعلام وسيلة بناء لا هدم. من هنا نرى فى المستقبل إعلاماً يسهم بقدر كبير فى بناء الإنسان ورقيه فى جميع المجالات، لعل ذلك يكون قريباً. *رئيس منتدى السياسات والاستراتيجيات البديلة