استعدادات «على وأندرو» لاستقبال رمضان كانت مختلفة عن استعدادات أسرتيهما، حرص الطفلان على عادتهما فى رمضان، طرقا أبواب الشقق السكنية فى ذلك الشارع البسيط بالمطرية، وطلبا من كل شقة مساهمتها فى زينة رمضان، غير أنه فى الليلة التى سبقت شهر الصيام مباشرة، عاود الطفلان الطرْق من جديد، مطالبين بجنيهات أخرى لزوم تعليق علم مصر. عقب صلاة التراويح فى اليوم الأول كان سعيد حسين ذو اللحية الكثة يهنئ جاره جمال مجدى بعودة الأيام المباركة، جمعهما الضحك على حالهما، فقبل أيام من حلول الشهر المبارك كان سعيد قادماً لتوه من ميدان رابعة العدوية مشاركاً مؤيدى د. مرسى اعتصامهم، بينما رفيقه جمال كان يحتفل بسقوط الرئيس مرسى أمام قصر الاتحادية، فى الوقت الذى لم يلتفت فيه الطفلان إلى توجهات واختلافات والديهما، تشاركا فى تعليق الأنوار ابتهاجاً بالشهر دون اعتناء بالمشهد السياسى والفرقة التى أحدثها فى الشارع المصرى حسب «أحمد السيد» الشاب العشرينى. «العلم يرفرف أمام شرفتها».. ميزة حظيت بها أم محمد: «حسيت إن مصر فوق الكل الغضبان والفرحان»، مشيرة إلى حالة الاحتقان الموجودة داخل البيت الواحد: «الاخوات بيتكلموا فى السياسة وممكن يخسروا بعض.. بس المهم مصلحة البلد وبس»، لا تخفى المرأة الخمسينية حالة البهجة التى تقتحمها مع رؤية زينة رمضان وأنوارها المشعة: «لما عيال الشارع بيلموا مننا فلوس الزينة بنعرف ساعتها إن رمضان على الأبواب». السخرية من الأوضاع السياسية طالت نقاشات سكان الشارع، يحمل كل فرد منهم جينات أولاد البلد، لذا حينما سأل «محمد جمال» الشاب السلفى كل أقرانه عن طلباتهم من لوازم الياميش والبلح بحكم عمله فى محل للعطارة، رد عليه «علاء حمدى» ساخراً: «يا ريت متجيبش لعمك سعيد عشان هو مش هيصوم غير لما مرسى يرجع الحكم تانى». «فانوس وعلم.. إيد واحدة».. لم يكن هتافاً يردده المعتصمون فى ميادين مصر المختلفة وإنما هو شكل جديد خيّم على البيوت المصرية فى رمضان، المبانى اقترن وجود فانوسها بعلم مصر دليل الوحدة السياسية التى تشهدها مصر فى هذه الفترة، خاصة بعد نجاح ثورة 30 يونيو فى إسقاط جماعة الإخوان وعزل د. محمد مرسى. «أحمر، أبيض، أسود».. ألوان استخدمها عم جمعة، الرجل الأربعينى، ليضفى على فانوس العمارة التى يعمل حارساً بها لمسة وطنية، واشترك معه 4 من أبنائه فرحة منهم بانتصار إرادة الشعب المصرى على احتلال جماعة الإخوان، على حد تعبيره. يشرح جمعة مصطفى الفكرة التى لجأ إليها للتعبير عن أجواء رمضان هذا العام قائلاً: «السنة دى أول مرة أنزل فيها الاتحادية والتحرير ساعة إلقاء البيان، والعمارة كانت لأول مرة مفيهاش سكان، نصهم فى التحرير والنص التانى فى الاتحادية، لقيت المنظر هناك مالوش وصف وعرفت لأول مرة إن الإخوان كانوا زى الوبا اللى مغطى على الحاجات الحلوة اللى فى مصر دلوقتى». الفرحة الحقيقية من وجهة نظر الرجل الأربعينى أن الحال تبدل 180 درجة بعد عزل الدكتور مرسى من منصبه كرئيس للجمهورية: «من ساعة ما مشى والناس لقيت البنزين والأسعار اتعدلت، حتى نفسية الناس ارتاحت، ده بقى عن طريق الصدفة؟». وقف عبدالرحمن ابن ال7 سنوات يشارك والده طلاء الفانوس: «مسكت الفرشاة ولوّنته زى ما بابا بيعمل لأن مصر رجعت تانى لينا»، عبدالرحمن وإخوته ال6 لم يكتفوا بطلاء الفانوس فحسب بل قام فريق منهم بطلاء الأشجار المحيطة بالمبنى على هيئة علم مصر، يقول والدهم: «سكان العمارة ماعترضوش، بالعكس شكرونى على اللى عملته وقالولى الفانوس كده نوّر أكتر». الرجل الذى قضى 11 عاماً فى خدمة العقار لم يشعر بالأجواء الرمضانية المعتادة: «السنة دى مصر هى البطل.. رمضان بييجى كل سنة لكن مصر مش كل سنة هتخلص من الكابوس اللى معشش عليها». ما فعله جمعة دون تنسيق أو إعداد مسبق تزامن ومبادرة عمار حسانين الذى حوّل شوارع بنها إلى ممشى طويل بين أعلام مصر، حيث اتفق ومجموعة من أصدقائه على تحويل زينة رمضان إلى علم، وكتابة عبارات الوحدة عليه: «المشكلة إن فرحتنا جت مع بداية رمضان والواحد مش عارف يفرح بمين فيهم، فقررنا نعمل (مكس) بين الاتنين فى الزينة اللى زمان وإحنا عيال متعودين نعملها». التكلفة لم تكن عالية، كما يوضح الرجل الثلاثينى: «كل واحد فينا يجيب له فرخين ب6 جنيه وشوية حبال، يعنى الزينة كلها على بعضها مش هتكلفنا 50 جنيه نغطى بيهم شوارعنا.. ما هى الناس خلّصت فلوسها يوم 30 على البمب والصورايخ مش هتيجى على زينة رمضان». كتب حسان على زينته ما وجده مناسباً لأحداث العنف الأخيرة التى انتشرت بين المسلمين وبعضهم البعض قائلاً: «الكلمة تهدّى الاحتقان اللى داير بين النفوس، ورمضان قادر يجعل القلوب صافية والحال المايل يتعدل».