نفس طويل ذلك الذى تتمتع به الدكتورة إيناس عبدالدايم، الرئيس السابق لدار الأوبرا المصرية، بحكم عملها كعازفة محترفة لآلة الفلوت، آلة النفخ التى تتطلب من عازفها أن يكون ذا صدر واسع، يستطيع أن يلتقط أكبر قدر من الهواء فى زمن وجيز للغاية، ويحتفظ به داخل الرئتين، ثم يخرجه ببطء أو بسرعة تبعاً لنوع المقطوعة الموسيقية التى يعزفها، ولما كانت إيناس واحدة من مشاهير العزف على آلة الفلوت، فقد احترفت التعامل مع المشاكل والصعاب التى واجهتها، طالما امتلكت هذا النفس الطويل. واحدة من هذه المشكلات جاءتها قبل أسابيع قليلة، مع تولى علاء عبدالعزيز وزارة الثقافة مكلَّفاً من قبَل حكومة الدكتور هشام قنديل، عندما أقدم الوزير على إقالتها من منصبها بدعوى القضاء على الفساد المنتشر فى دار الأوبرا، نسى الوزير وقتها أن عازفة الفلوت التى تشغل منصب رئيس دار الأوبرا تتمتع بنفس طويل مكّنها من أن تحتفظ بغضبها داخل صدرها، فقط نفّذت القرار بطيب خاطر، وبمنتهى الهدوء التقطت أكبر قدر من الهواء قبل أن تصرّح بأنها سوف تحصل على حقها من الوزير، الذى لطّخ سمعتها، عن طريق القضاء. على أن هناك من المثقفين المصريين من راعهم أن تُفصل السيدة التى فازت سنة 2000 بلقب واحدة من أفضل عشر نساء فى مصر فى القرن العشرين من منصبها، فقاموا بالاعتصام داخل مكتب وزير الثقافة احتجاجاً على قراراته، واعتراضاً على إسناد المنصب إليه من الأساس. ومع تصاعد الأحداث، صحا الجميع فجأة ذات يوم ليجدوا الوزير ونظامه بأجمعه فى ذمة التاريخ بعد أن نجحت الموجة الثانية من الثورة فى خلعهم من مناصبهم. فرصة رائعة لالتقاط الأنفاس قبل حبسها داخل الصدر مرة أخرى. وجدت إيناس نفسها تحت الأضواء الكاشفة، العيون مركّزة عليها بوصفها واحدة من المرشحات بقوة لتولى حقيبة وزارة الثقافة، راحت المفاوضات تُجرى، والهواتف لا تكف عن الرنين، ثم خرجت ثانى سيدة تتولى منصب رئيس دار الأوبرا لتعلن قبولها الانضمام لوزارة الدكتور حازم الببلاوى كوزيرة للثقافة، قبل أن تتلقى مكالمة سريعة فى الساعات القليلة التى سبقت حلف الحكومة لليمين الدستورية، لتبلغها باستبعادها من المنصب، وتولية صابر عرب بدلاً منها. كمية كبيرة من الهواء احتاجتها السيدة التى بدأت مشوراها مع الموسيقى منذ ستينات القرن الماضى لتخرج على الهواء مكذبة ما تناقلته وسائل الإعلام وعدد من المواقع الإخبارية بأن حزب النور هددها بتشويه وجهها إذا هى وافقت على الانضمام للوزارة الجديدة. نفت إيناس تماماً، حابسة أنفاسها وأشياء أخرى داخل صدرها، ربما لن يتاح لها أن تخرج الآن، لكن المؤكد أنه سيأتى حتماً اليوم الذى تفرج فيه عازفة الفلوت عما تخبئه فى صدرها، وبالتأكيد لن يكون قليلاً.