طيلة 20 عاما، اعتادت بثينة فتح الله، البالغة من العمر 72 عاما، الذهاب للمقابر، صباح كل عيد.. تجلس حتى الساعة العاشرة، توزع الحلوى والفطائر على رواد المقابر.. جزء من طقس اعتادته منذ وفاة زوجها وأحد أبنائها.. ترتدي الأسود، وتحمل فوق رأسها صحنا كبيرا يطوي شرائح الفطير، تقول إنها "رحمة ونور" على أرواح الموتى.. تظل بعد ذلك تسترجع ذكرياتها مع زوجها وابنها.. تبكي دون صراخ. الأمر لا يقتصر على الحاجة بثينة، فالمصريون اعتادوا صباح كل عيد، خصوصا في الأرياف، الذهاب للمقابر، كجزء من طقوس موسمية معتادة، تختلط فيها الفرحة بالترحم على الأموات والألوان الزاهية بالأسود. حالة متناقضة، لا تحدث إلا في مصر، يورثها الآباء للأبناء والأحفاد. في محافظة الشرقية، اعتاد محمود صالح، 65 عاما، الذهاب للمقابر، منذ ما يقرب من 35 عاما.. يقول: "من وقت ما مات ابني الصغير، وأنا باروح أعيد عليه.. دا شيء بيفرحني، وبيفكرني بيه. عايز كل مرة أزوره فيها أقوله له كل سنة وانت بخير". وعن مدى شرعية ذلك دينيا من عدمه، يقول الحاج "محمود": "لا أعرف، إن كان حرام ولا حلال، لكن ماعتقدش أن الله سبحانه وتعالى يحرم زيارة ابني المتوفي، في أي وقت"، فيما يتناقض ما يؤمن به الحاج "محمود" مع رأي دار الإفتاء المصرية، قبل يومين، والتي قالت إن زيارة الأموات في الأعياد "مكروهة وربما تصل لحد التحريم". وأضافت "الإفتاء"، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن زيارة الأموات مشروعة وسُنة ومستحبة، ولا حرج فيها في أي وقت من العام، ولكن الحرج أن نقلب الأفراح ونذهب للمقابر، مؤكدة أن الاستمتاع بعيد الفطر أولى من زيارة القبور في هذا الوقت، لأن الأعياد شُرعت للبهجة والسرور. وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ل"الوطن": "العيد تزاور الأحياء للأحياء، أما زيارة المقابر في العيد أمر غير مشروع بالمرة، وهي عادات متوارثة عن عادات فرعونية قديمة". محب جابر، من محافظة المنوفية، 55 عاما، قال إنه توارث هذه العادة عن جدوده، وارتبط عنده العيد بزيارة المقابر، ويضيف أنه لا يذهب لأحد في المقابر، وأنه يذهب ضمن صحبة اعتادت الذهاب كجزء من طقس موسمي. ويؤكد الدكتور "كريمة" أنه "لم يثبت أن النبي وأصحابه، ذهبوا للمقابر في العيدين، لكن للأسف، هناك أمر نفسي في الشخصية المصرية، وهي الحزن والكآبة، وطالما يربطون المواسم بالأحداث بما يبعث على الشجون والحزن". واختتم "كريمة" قائلا: "الأمر يحتاج لتحليل نفسي أكثر منه ديني". وبدوره يقول الدكتور هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: "هذه الظاهرة لا تحتاج لتحليل نفسي، فالأمر عادة مصرية مكتسبة من أيام الفراعنة الذين آمنوا بالحياة الأخرى، لذلك كانت المقابر بها التماثيل والجواري وغير ذلك.. المصريون القدماء كانوا يؤمنون بالحياة بعد الموت، وتنامت الظاهرة حتى وصلت للوقت الحاضر، وصارت موروثا".