قام المصريون بثورتهم فى 25 يناير 2011 ضد استبداد وديكتاتورية نظام مبارك، ثم أحيا المصريون ثورة يناير بثورة شعبية غير مسبوقة فى العالم ضد استبداد وديكتاتورية نظام جماعة «مرسى» فى 30 يونيو 2013. وكما كان للثورة الأولى ضد «مبارك» استحقاقات لم ينتبه إليها ثوار 25 يناير إذ غادروا الميادين قبل تحقيقها وتركوها لجماعة الإخوان المسلمين التى ركبت موجة الثورة واستثمرتها لحسابها - فإن لثورة 30 يونيو استحقاقات لا يجب أن يغفل عنها الشعب الذى ثار ضد «الجماعة» وحكمها، ومن الضرورى ألا يتركوا ميادين الثورة دون أن يتأكدوا من تحقيقها. وأول الاستحقاقات المؤجلة منذ يناير 2011 التى يجب أن توليها ثورة يونيو اهتمامها هو تحقيق «التحول الديمقراطى» الحقيقى وبناء قواعده وتفعيل آلياته المتعارف عليها فى الديمقراطيات الحديثة. والركن الأساسى فى بناء تحول ديمقراطى سليم هو صياغة دستور يكون عقداً اجتماعياً يحدد الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، ويحدد علاقات سلطات الدولة ومؤسساتها ويقيم التوازن المطلوب فيما بينها من ناحية، ويفرض حدود اختصاصاتها وعلاقاتها بالمواطنين من ناحية أخرى. والرأى عندى هو التمسك بالمطلب الأساسى لثوار يونيو؛ أن يعد دستور جديد، والتجاوز عن فكرة تعديل دستور 2012 المعطل، حيث لا يجب تكرار الخطأ الاستراتيجى الذى جرى عام 2011 باختيار خارطة طريق بإيحاء من جماعة الإخوان المسلمين، تم بمقتضاها إجراء تعديلات محدودة على دستور 1971، تبعتها الانتخابات التشريعية التى أنتجت كل المآسى التى عاشها الشعب طوال الفترة الانتقالية الأولى التى انتهت بوصول «الجماعة» إلى الحكم! ويرتبط بقضية «التحول الديمقراطى» ضرورة تطوير العملية الانتخابية وترتيباتها بما يسمح بتلافى أخطاء قوانين الانتخابات التشريعية التى جرى على أساسها انتخاب مجلسى الشعب والشورى اللذين صدرت أحكام المحكمة الدستورية العليا بحلهما، ومراعاة كل ملاحظات المحكمة عليهما وبخاصة تصويب أساس تحديد الدوائر الانتخابية. كما يجب تفعيل فكرة «المفوضية الوطنية للانتخابات»، باعتبارها هيئة مستقلة تباشر كل ما يتعلق بشئون الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية والاستفتاءات، بحيث لا يكون لأجهزة وزارة الداخلية أى علاقة بأمر الانتخابات. ومن القضايا المهمة التى يجب حسمها وفق حوار مجتمعى حقيقى مسألة نظام الانتخابات سواء بالقائمة أو النظام الفردى أو مزيج من النظامين. وتنبع أهمية هذه المسألة من إغفال الإعلان الدستورى الأخير تحديد الأسلوب الذى تتم به الانتخابات، بينما كان إعلان 30 مارس 2011 يحدد فى المادة رقم 38 منه أن يتم حق الترشيح لمجلسى الشعب والشورى وفقاً لأى نظام انتخابى يحدده القانون. وفى هذا السياق لا بد من التنبيه إلى ضرورة تطهير أجهزة ووحدات الإدارة المحلية من آثار «الأخونة» التى خطط لها ونفذها الحكم الإخوانى الساقط، والتى شهد بها الدكتور يونس مخيون وواجه بها محمد مرسى الذى لم يحرك ساكناً للرد على هذا الاتهام! كذلك لا مناص من إزالة آثار «الأخونة» التى مارسها وزراء «الجماعة» فى مختلف وزارات الدولة، خصوصاً «الشباب» و«الأوقاف»، التى تهدد بعدم نزاهة الانتخابات المقبلة. وتمثل إشكالية الخروج من نظام الحكم الساقط فى أعقاب الثورات الشعبية أهم مشكلة فى أى برنامج للتحول الديمقراطى. وقد كان الفشل فى القضاء على نظام مبارك أهم مشكلة واجهت ثورة 25 يناير، واستمرت خلال رئاسة محمد مرسى الذى سعى إلى الاستعانة بكل عناصر نظام مبارك لتثبيت حكمه على طريق ديكتاتورية «التمكين» و«الأخونة». ويصبح من المحتم بعد ثورة 30 يونيو تطهير المشهد السياسى من كل العناصر التابعة والمؤيدة لنظام «مرسى»، الذين ارتكبوا جرائم القتل والترويع والتحريض على «سحق» المتظاهرين السلميين فى ميادين مصر، والذين هددوا بأن «رؤوساً قد أينعت وحان قطافها»، والذين تهجموا على جيش مصر الوطنى وحاولوا اقتحام دار الحرس الجمهورى. ولا بد لنجاح «التحول الديمقراطى» فى مصر ما بعد 30 يونيو من أن يحسم وضع قادتها (الجماعة) وفق قواعد «العدالة الانتقالية» لمحاسبتهم على ما اقترفوه من فساد وإفساد للحياة السياسية وتغليبهم مصالح «الجماعة» على مصلحة الوطن، وادعائهم الكاذب أن الثورة المصرية فى يونيو ما هى إلا «انقلاب عسكرى»، واستقوائهم بالغرب واستعدائهم للولايات المتحدةالأمريكية وغيرها من القوى المناهضة لحق الشعوب فى استقلال الإرادة الوطنية على جيش مصر الوطنى. إن حجر الأساس فى تحقيق «التحول الديمقراطى» يرتكز على بناء حزبى سليم قوامه أحزاب سياسية وطنية ترعى مصالح الوطن وتحترم القيم المصرية الثابتة. وقد نشأت فى المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير مجموعة أحزاب خالفت الأساس الذى نص عليه إعلان 30 مارس فى المادة رقم 4 منه، وهى «لا يجوز قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل»، ومارست الأحزاب المسماة بالدينية نشاطها باستغلال الشعارات الدينية وإرهاب المواطنين بدعاوى التكفير، الأمر الذى يوجب إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية ينص على «النظام السياسى للدولة جمهورى ديمقراطى، يقوم على تعدد الأحزاب السياسية وحق إنشائها بالإخطار، بشرط ألا تقوم على أى أساس دينى أو جغرافى أو عرقى أو أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية للإنسان المصرى، وألا تستند فى عضويتها إلى التمييز بين المواطنين لأى سبب». إن نجاح «التحول الديمقراطى» فى مصر ما بعد 30 يونيو مسئولية كل المصريين؛ بالمشاركة الإيجابية فى النشاط السياسى وعدم ترك الساحة الوطنية لمن لا يراعون مصالح الوطن مرة أخرى.