1- مداواة الجرب الإسلامجية مفتونون بقصة أبومسلم الخولانى مع الخليفة معاوية بن أبى سفيان، دخل الرجل وحيّا معاوية: السلام عليك أيها الأجير، فرده الحضور «قل السلام عليك أيها الأمير»، ولما تكرر الأمر ثلاث مرات قال معاوية «دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول»، فرد الرجل «بل أنت أجير استأجرك ربك هذا الغنم لرعايتها، فأنت إن هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها عن آخرها، وفاك سيدها أجرك، ولو أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها عن آخرها عاقبك سيدها». معاوية سكت على طرح أبى مسلم ليظهر التواضع والرضا بما يقول، ونقل الواقعة ابن تيمية فى كتابه «السياسة الشرعية»، ليدلل على أن الحاكم مجرد أجير عند ربه، لكن معاوية بدهائه السياسى أمّن على كلام أبى مسلم ليكسب صلاحيات مطلقة، فالمحكومون مجرد خراف والحاكم مهمته «حبس أولاها عن آخرها»، ومداواة الجربان منها. أى سلطة (الراعى) المطلقة باسم الله، يتساوى بذلك إسلامجية الشيعة والسنة، فيقول مثلا الفقيه الشيعى إبراهيم النيسابورى: «إن غاية الحيوانات البشرية الاتحاد بالإمام». هذا المنطق الرعوى، تغلغل إلى جماعات الإسلام السياسى على اختلاف مذاهبها، وفى التطبيقات الحديثة، تمت ترجمته إلى أفكار متنوعة تصب مجملها فى جعل الجماعة وصية على المجتمع، من دولة الفقيه فى إيران، إلى أستاذية العالم لدى الإخوان. هذه الرؤية هى التى جنحت بمرسى إلى الاستبداد، مرسى كان يريد أن يدشن نفسه راعيا للخراف، يسهر على مداواة من أصابه الجرب، «ويحبس أولاها عن آخرها».. والجرب تضع الجماعة تعريفا له، وهو عدم منازعة أحد لسلطتها، أو التفكير فى مكتسبات عصر التمكين، فمن حق الإمام أن يعزل القضاة، ويختار من يعارضه، ويحبس عبر النائب العام المعين من يتجرأ على إهانة الإمام، أو يتجرأ على «خراف أخرى» تنال الرضا. حكم الرعاة ليس اختراعا إسلامجيا، بل قديم قدم الطغيان، لكن الإسلامجية أضافوا بصمتهم، فيلاحظ محمد عابد الجابرى مثلا أن الرعاة السياسيين لا يطيقون مشاركة أحد فى مهمتهم المقدسة، فتعدد الرعاة ولو كانوا قليلى العدد يشبه تعدد الآلهة فى الدين، أى نوع من الشرك والإلحاد غير المقبول. الإسلامجية لم يكتفوا بالشرك السياسى، بل جعلوا خروج الخراف على الإمام «شركا» دينيا، يستحق صاحبه القتل، والترويع، يقتل الخارجون على الإمام رميا بالرصاص أمام مقر المقطم، وينتقم الظهير الجهادى بفصل الرؤوس وخطف الجنود، وزرع القنابل. فالخراف تخطت حدودها مع الإمام الراعى وحان وقت «حبس أولاها عن آخرها». هكذا يفكر الإخوان 2- الراعى الغائب فى خطابه الأخير الذى هدد فيه مرسى بالدم للحفاظ على ما يسمى بالشرعية، كان الرجل يدرك أنه سقط، لكنه أراد أن يبنى أسطورته الشخصية داخل الجماعة، فيقدم نفسه لأدبيات التنظيم (كراع مظلوم) غدرت به الذئاب، اجتهد وأصاب وأخطأ، لم يتحمل المتآمرون (الإسلام) وحاربوه، كان يريد أن يدعم أسطورته بالغياب، ويقدم نفسه كمخلص مضحٍّ كى تستمر (دعوة) الجماعة ورسالتها، لينضم إلى ركب الأساطير الغائبة من حسن البنا إلى سيد قطب. وإذا كان الراعى فشل فى إدارة الدولة وخرج الناس بالملايين لإزاحته، فتاريخ الجماعة الذى تدونه لأعضائها سيقول: «تآمر أعداء الإسلام على الإمام الراعى محمد مرسى وأزاحوه رغم أنه جاء بالصناديق، وهو تمسك بالشرعية وضحى بدمائه لخدمة الدعوة». هنا يضمن مرسى بقاءه داخل حدود التنظيم، ويتوارث سيرته أجيال من الباحثين مبررا لفشل مشروع الجماعة الوهمى، كما تضمن الدماء تماسك الجماعة، عبر روايات التضحية، مثلما ساهمت «حسينيات الإخوان فى سجون عبدالناصر»، فى استجلاب عطف الناس. مرسى راهن على بناء مظلومية تاريخية جديدة، لأجيال قادمة، ربما لن تسعفها ذاكرتها فى تذكر فشل الجماعة واستبدادها، ونهمها للسلطة. 3- القطيع محمد بديع قال فى خطابه الدموى بميدان رابعة: «مرسى رئيسى ورئيسكم، ولن نعترف برئيس غيره»، هذه اللهجة تراجعت الآن، بدأت الجماعة تدرك أن الراعى فقد خرافه للأبد، ينسحب مرسى تدريجيا من خطاب الجماعة، مقابل التركيز على شرعية الحكم التى انتهكها الجيش بما يسمى الانقلاب. الإخوانى أحمد منصور كشف فى زلة لسان مسجلة عن تغيير الجماعة تكتيكاتها: «إحنا نرجع للشعب ونضحك عليه باسم الثورة عشان يقف معانا ضد الجيش». لا يدرك الإخوان أن من يعتبرونهم خرافا كانوا وراء موجات ثلاث من الثورة، قضت الأولى على مستبد حكم لثلاثين عاما، والثانية جاءت برئيس منتخب والثالثة أطاحت بالاستبداد الدينى وبالرئيس المنتخب عندما أراد أن يتحول إلى طاغية. من اعتبرتهم الجماعة خرافا، لن يعودوا إلى الخلف، وليس معقولا أن تمارس الجماعة آليات الرعى القديمة، بلا حسبان لطبيعة العصر، فتهش بعصا هرمة عمرها ثمانين عاما، شعبا أدرك أن الرعاة ما هم إلا ذئاب، فتخلص منهم واحدا تلو الآخر.