شاب صغير لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، ذاع صيته فى العشرينات من القرن الماضى أطلق على نفسه فى سن مبكرة جداً لقب (المرشد) ثم لقب (الإمام). هذا الإنسان هو لب القضية ومخترع البدعة التى حكمت عليها التجارب والأيام بأنها ضلالة مؤكدة، وكل ضلالة كما تعلمون فى النار «نار الآخرة» وإن كانت ضلالته تلك قد أورثته وأورثت تابعيه، بل وأورثتنا جميعاً إلى يومنا هذا، ناراً حارقة فى الدنيا أيضاً. إذن كل من يقول بأن القيادة الحالية لجماعة الإخوان حادت عن مبادئ الجماعة وخالفت منهج البنا هو فى الحقيقة متجاوز للحق مخالف للحقيقة. فبين أيدينا ما كتبه البنا وهو نفسه الذى يؤكد أن كل الانحرافات التى ارتكبتها الجماعة هى فى حقيقتها ترجمة إجرائية لمبادئ ومنهج ورسائل الرجل. يقول البنا: «أن تعتقد أن كل نظام لا يعتمد على الأسس الإسلامية ولا يبنى على قواعد القرآن الكريم لا يصلح أبداً لبناء النهضة الحديثة». وينبغى أن نلاحظ أن لفظ النهضة متكرر بصفة دائمة فى رسائل البنا، فمشروع النهضة المزعوم لم يكن إذن اجتهاداً حديثاً، فضلاً عن أن ما قاله يخالف المستقر من المفاهيم عند علماء المسلمين من أن الله سبحانه وتعالى قد وضع سنناً للحياة الدنيا للتقدم والازدهار يجوز أن يتبعها المؤمن أو الكافر فتؤتى ثمارها فى الحالتين. ثم الأخطر، يقول البنا فى تأويله لمعنى الآية الكريمة (وفى هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس): «ومعنى هذا أن القرآن يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا»، ويتابع البنا فى فقرة أخرى: «الغاية فى أمتنا غامضة مضطربة وقد اتفقنا على أن مهمتنا سيادة الدنيا»، أى أن البنا يشترط السيادة وسيلة للإصلاح أى أنه ليتمكن الإسلام من نشر دعوته وتحقيق مبادئه فلابد أن يسيطر المسلمون وأن يحكموا وهو أول إدخال خبيث للسياسة فى منهج الدعوة مع أن القاصى والدانى يعلم أن الإسلام انتشر خير انتشار كماً وكيفاً فى بلاد لم يحارب فيها حرباً واحدة ولم يظهر سيفه تحت ظل سمائها أبداً. تحت عنوان (إلى أى شىء ندعو الناس) يقول البنا: «أن تعتقد أن كل شبر من الأرض فيه مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إنما هو قطعة من حمى الله الذى يجب على كل مسلم أن يذود عنه ويحتفظ به»، وأضع خطوطاً كثيفة تحت عبارة «يحتفظ به» فهذا أمر غير وارد فى المنهج الإسلامى وفيه إيحاء بنظرة توسعية استعمارية. وتحت عنوان حق الإنسانية يكتب: ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا فى الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة، وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان، فأين «لا إكراه فى الدين»، وأين «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»؟ ثم تحت عنوان حراسة الحق بالقوة كتب: وما أحكم ذلك القائل «القوة أضمن طريق لإحقاق الحق»، «على المسلمين أن يكونوا هم جيش الخلاص الذى ينقذ الإنسانية ويهديها سواء السبيل». ويقول البنا فى رسالة الجهاد تأويلاً للآية الكريمة (فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً): «ترى كيف يحض الله المسلمين على ممارسة القتال فى جيوش أو عصابات أو فرادى كما يقتضيه الحال»، ولست أدرى من أين أتى بفكرة حرب العصابات من خلال هذه الآية؟ باختصار كان الشاب الصغير حسن البنا ذكيا جداً، طموحاً جداً، لديه رغبة جامحة فى أن يكون زعيماً لأمة كبيرة وقد أراد إذن أن يستخدم الدين وسيلته وسلاحه لبلوغ الهدف الكبير فابتدع فى حياتنا الحديثة إقحام الدين فى أهداف الحكم والسياسة فحكمت ثورة 30 يونيو على بدعته بالضلالة ووضعتها فى أتون النيران.