الجديد أن رجال دين ودعاة دخلوا دائرة النخبة من خلال البرلمان والأحزاب السلفية.. ودخل الحكومة وزراء ملتزمون دينياً وملتحون استُبعد شباب الثورة أو هُمّشوا من دخول دائرة النخبة السياسية، ولم يدخل البرلمان إلا عدد محدود منهم، وتعمدت الأحزاب القديمة-الجديدة عدم الدفع بممثلين عن الشباب فى القيادة، ومن ثم ظلت نخبتنا على حالها، قديمة ومنقسمة على نفسها، وعاجزة عن التفاوض والتوصل إلى حلول وسط، لكن ثمة جديد فى تركيب النخبة لا بد من رصده وتحليله. الجديد أن رجال دين ودعاة دخلوا دائرة النخبة من خلال البرلمان والأحزاب السلفية، ودخل الحكومة وزراء ملتزمون دينيا وملتحون لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، ولا شك أن الظاهرة قابلة للتزايد بعد وصول محمد مرسى للرئاسة كأول رئيس مدنى ينتمى لجماعة الإخوان ذات المرجعة الإسلامية. لدينا مظاهر جديدة فى تركيب النخبة وخطابها ومفرداتها ومرجعياتها، لكن بعض هذه المظاهر قد لا يمت لشعارات ثورة يناير بصلة، لأن بعض العناصر الإسلامية التى التحقت بالنخبة لم تشارك فى الثورة، وركزت على شرعية الانتخابات على حساب شرعية الثورة فى الميادين، كما تنظر للعالم وللحريات العامة وحقوق المرأة والمواطنة من منظور دينى ضيق. إذن نحن بصدد تحول تاريخى فى تركيب النخبة يتلخص فى زيادة أوزان رجال الدين والدعاة، مع عودة الأزهر للعب أدوار وطنية مطلوبة، لكن هذا التحول رغم إيجابياته يثير عدة نقاط: 1- إعادة الاعتبار لمكون رجال الدين فى تركيب النخبة السياسية المصرية والذى ارتبط بالنشأة الحديثة لتلك النخبة أثناء الحملة الفرنسية، وقيادتها للمقاومة الشعبية ثم دعمها لوصول محمد على للحكم، وأعتقد أن هذا المكون ظل فاعلا فى الثورة العرابية، ثم أخذ فى التراجع بداية من ثورة 1919 لصالح النخبة الحديثة ذات التعليم المدنى والتكنوقراط وضباط الجيش. 2- تواضع التكوين التعليمى والثقافى لبعض قيادات التيار الإسلامى الذين التحقوا بالنخبة السياسية، فمنهم من لم يكمل تعليمه، ولم يتخرج فى الأزهر كما كان حال أغلبية أفراد النخبة الإسلامية قبل ثورة يوليو، وتكفى هنا الإشارة إلى أن الطهطاوى ومحمد عبده وعلى الغاياتى والباقورى والغزالى والشعراوى كانوا من بين المكون الإسلامى فى النخبة السياسية، بينما البلكيمى وعلى ونيس من ضمن المكون الإسلامى لنخبة برلمان ما بعد الثورة. 3- غلبة التفكير التقليدى والمحافظ على عناصر النخبة الجديدة نتيجة التزامها بتفسيرات سلفية جامدة للإسلام، أو التزامها بأفكار جماعات وتنظيمات إسلامية لا تمتلك رؤية أو برامج محددة لتغيير المجتمع وتنميته على أسس الحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعى. 4- ضعف ومحدودية الخبرة السياسية والقانونية لغالبية أفراد النخبة الدينية، فقد التحقوا بالعملية السياسية دون قراءة أو فهم كاف، بل إن بعض النواب السلفيين كانوا يصفون الديمقراطية بالكفر، الأمر الذى يفسر جزئيا الأداء الهزيل للبرلمان، والأخطاء التشريعية والإجرائية التى ارتكبها، علاوة على الافتقار إلى نظام للأولويات السياسية يستجيب لطموح الشعب وتطلعاته المشروعة بعد ثورة يناير، حيث تبنى عديد من النواب قضايا وملفات جزئية ولا ترقى لأولويات المرحلة، والأمثلة كثيرة وبعضها يثير السخرية وربما الغضب. 5- عدم قدرة أفراد النخبة الجديدة على الفصل بين السياسى والدينى، فالغلبة دائما للدين والذى يستخدم كأساس وحيد للحكم على المواقف السياسية وتقييمها دون تمييز بين ثبات المقدس وتغير السياسى، وأن لكل منهما دائرة اختصاصه ومجاله، لذلك يتحدث كثير من النواب فى البرلمان وكأنهم على منبر مسجد، وعندما يتخذون موقفا سياسيا يبحثون له عن سند شرعى، وعندما يغيرون هذا الموقف لأسباب سياسية محضة فإنهم أيضاً يقدمون أسانيد شرعية!! ولنتذكر هنا الاستفتاء على التعديلات الدستورية والموافقة على المادة 28، ثم اعتراضهم عليها أثناء الانتخابات الرئاسية وكيف استدعيت ووظفت آيات قرآنية وأسانيد شرعية فى تبرير الموقفين!!