خمس سنوات لا أكثر حكم بلاده -جنوب أفريقيا- فيها ثم آثر بعدها التقاعد والتفرغ لنشاطاته العامة، إلا أن السنوات الخمس كانت كافية لانطلاق بلد عانى طويلاً من السياسات العنصرية، قاوم هو عنصرية دولة فاستحق جائزة «نوبل» للسلام عام 1993. حين دخل نيلسون روليهلالا مانديلا، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، إلى معترك السياسة فى أربعينات القرن الماضى، كان هدفه الأساسى هو إجبار الأقلية البيضاء الحاكمة على الاعتراف بحقوق الأغلبية السوداء التى أنكروها دوماً، من خلال المقاومة غير المسلحة ضد سياسات التمييز العنصرى فى البداية، ولكن استبداد النظام الحاكم حينها كان كافياً لتحويل دفة المعارضة فى جنوب أفريقيا إلى المقاومة المسلحة. توافد أقارب الزعيم الأفريقى إلى منزل نيلسون مانديلا «ماديبا» -كما يشتهر بين الجنوب أفريقيين- فى بلدة «كونو»، وأعلن رئيس جنوب أفريقيا إلغاء زياراته الخارجية بسبب الوضع الحرج لحالة «مانديلا» الصحية، وعلى الرغم من إعلان الحكومة أن «حالته حرجة ولكنها مستقرة»، فإن الدلائل كلها تشير إلى أن الوضع يتجه للأسوأ. حتى زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى جنوب أفريقيا لن تكون على قدر الأهمية المتفرض بها أن تكون، فمرض الزعيم الذى يعانى من الالتهاب الرئوى يخطف الأضواء ويسحب بساط الاهتمام من تحت أقدام «أوباما». رحيله سيكون «صدمة»، هكذا يقرر محبوه من شعب جنوب أفريقيا، فقد اعتادوا على ظهوره العلنى وهو ما يجعل تمدده على سرير مستشفى ومعرفة أنه لن يتعافى أمراً صعباً. اعتُقل للمرة الأولى فى عام 1961 وسجن 5 سنوات، اتُّهم بعدها بالتخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى، فحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. تحول النداء بتحرير «مانديلا» من السجن إلى رمز لرفض السياسات العنصرية فى البلاد، ومن وراء قضبان السجن استطاع نشر رسالة، قال فيها: «اتحدوا! وحاربوا! سنسحق الفصل العنصرى»، فتسببت دعوته للجهاد فى محاولة الرئيس وقف المقاومة المسلحة مقابل إطلاق سراح «مانديلا»، ولكنه رفض مفضلاً المثابرة حتى نجحت الضغوط الدولية بالفعل فى أن تؤتى بثمارها بالإفراج عنه. «الحرية لا يمكن أن تُعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً».. كلمات علا صوته بها طوال فترة نضاله ضد الأقلية العنصرية التى حكمت، فاستطاع تحويل مناداته بالحرية إلى واقع لا يقل قدراً عن أعظم الثورات سلمية، فتحول من مجرد رمز للنضال فى بلاده، إلى أسطورة جابت العالم تحث على السلم ووقف السياسات العنصرية. وفى ظل نضاله ضد السياسات العنصرية، وضعته الولاياتالمتحدة فى ستينات القرن الماضى على قائمة إرهابيى العالم، ولم يخرج من تلك القائمة إلا بعد أن أتم عامه ال90 فى عام 2008 بقرار من الرئيس الأمريكى جورج بوش، على الرغم من اشتهاره بمعارضة السياسات الأمريكية الخارجية التى تتبعها إدارة «بوش».