واستكمالاً لمسلسل قمع حرية التعبير والإبداع وتكفير الكُتاب، تمت مصادرة كتاب «آل جيم» للشاعر حسن طلب، وتقديم استجواب فى مجلس الشعب حول أشعار نشرها عبدالمنعم رمضان فى مجلة «إبداع». وقام محمود أبوالفيض برفع دعوى ضد فيلم «المهاجر» ليوسف شاهين. وكاد المجلس الأعلى للطرق الصوفية يقيم دعوى قضائية ضد عمار على حسن بسبب كتابه «الصوفية والسياسة فى مصر»، لكن المجلس اكتفى بتنظيم ندوة للرد على الكتاب، وجه من حاضروا فيها تهمتى «الفسق» و«الكذب» إلى الكاتب. وبلغ الأمر ذروته مع رواية «وليمة لأعشاب البحر» للأديب السورى حيدر حيدر التى نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة. فما إن أصبحت الرواية، التى سبق نشرها فى بيروت مطلع الثمانينات من القرن العشرين، بين أيدى القراء حتى اهتاج عليها محمد عباس فى مقال تحريضى بصحيفة «الشعب»، لسان حال حزب العمل، اتهم فيه الكاتب بالكفر لأنه تطاول على الذات الإلهية، وهاجم وزارة الثقافة لأن الكتاب صادر عن إحدى هيئاتها. وعلى الفور اندلعت مظاهرات بالحرم الجامعى للأزهر، وانتهت مشاهد الاحتجاج المتكررة، المصحوبة بجدل واسع النطاق بين النخبة الفكرية حول حدود حرية التعبير والإبداع، إلى إغلاق جريدة «الشعب»، وتجميد نشاط حزب العمل، بعد أن أدخلته هذه الواقعة فى نفق قضائى حين تنازعت أجنحته حول أحقية كل منها فى الحزب، ورغبة بعضها فى إنهاء ما سمته اختطافه من قبل بعض الإسلاميين. ولم تمر سوى أشهر قلائل حتى تفجرت أزمة أخرى سميت «أزمة الروايات الثلاث»، التى صدرت عن هيئة قصور الثقافة أيضاً، لتوفيق عبدالرحمن، ومحمود حامد، وياسر إبراهيم، وانتهى الأمر بإقالة رئيس الهيئة على أبوشادى، ومنع توزيع هذه الروايات، وتقديم اثنين من المسئولين عن سلسلة «أصوات أدبية»، التى صدرت الروايات فى إطارها، إلى المحاكمة، وهما الروائيان إبراهيم أصلان وحمدى أبوجليل. وهناك وقائع أخرى عديدة فى هذا المضمار، سقطت سهواً، أو تمثل تكراراً لكل هذه الحالات، التى من المتوقع ألا تنتهى فى المستقبل المنظور. والآن، بعد ثورة نادت بحرية التفكير والتعبير والتدبير، عاد هؤلاء يطلون برؤوسهم من جديد، موزعين التكفير يميناً وشمالاً، والخطر هذه المرة أن الأمر لم يعد مقتصراً على الكُتاب والمفكرين وأساتذة الجامعة والروائيين والفنانين والشعراء، بل امتد حتى إلى مدرسى المرحلة الابتدائية، إذ صار بوسع أى مدرس متطرف أن يرفع دعوى قضائية على زميل له بتهمة ازدراء الأديان، وهذه عودة إلى زمن القهر والكبت، الذى يقاومه المصريون الآن بقوة وعزيمة وسينجحون قريباً فى الانتصار للحرية.