لا تصبح الدولة قوية لها مكانتها على المستوى الدولى من فراغ، إنما يتم هذا حين تحوز سمات محددة وتتوافر لها شروط معينة، أسهب فى ذكرها علماء العلاقات الدولية، وفى مقدمتهم هانس مورجينثاو. ويمكن ذكر هذه العناصر باختصار شديد على النحو التالى: 1- الجغرافيا: وهى أكثر العناصر استقراراً فى بناء قوة أى دولة، فالجغرافيا ذات أهمية كبيرة فى هيكل القوة للدولة، فالمنطقة الإقليمية من الولاياتالمتحدة، مثلاً، مفصولة عن القارات الأخرى بمناطق مائية تتسع 3.000 ميل من ناحية الشرق وأكثر من 6.000 ميل من الغرب، وهذا الفاصل يشكل عاملاً دائماً يعزز مركز أمريكا فى العالم. لكن أهمية العامل الجغرافى لم تعد كما كانت عليه قديماً فى ضوء التطور التقنى الرهيب لوسائل المواصلات والاتصالات بشكل أزال من الوجود عامل المحيطات العازلة، فالعالم أضحى قرية عالمية Global Village. 2- الموارد الطبيعية: وهى عامل ثابت نسبياً تفرض تأثيراتها على قوة الدولة مقارنة بالدول الأخرى. فالبلاد ذات الاكتفاء الذاتى أو ما يشبه الاكتفاء الذاتى تكون متفوقة تفوقاً عظيماً على الدولة التى لا تملك هذا الاكتفاء، والتى يجب أن تكون قادرة على استيراد الغذاء وإلا تعرضت للمجاعة، وبذلك يكون الافتقار إلى الغذاء بشكل دائم مصدراً من مصادر الضعف الدائم فى السياسة الخارجية، وما يقال عن الموارد الغذائية يقال عن الموارد الأولية ذات الأهمية فى الإنتاج الصناعى وفى شن الحروب بوجه خاص، فهناك مواد أولية ضرورية لا بد من توافرها كى تكون الدولة قوية مثل البترول والحديد واليورانيوم والنحاس. وتتغير أهمية المادة الخام بتغير مدى الحاجة إلى استعمالها فى الصناعات المدنية والعسكرية. وقد خضعت تلك الأهمية إلى مبدأ النسبية مع التطور التاريخى والتقدم التقنى. 3- الاستعداد العسكرى: هو الذى يضفى على عوامل الجغرافيا والموارد الطبيعية والطاقة الصناعية تلك الأهمية الفعلية فى عملية بناء قوة الدولة. ولا شك أن اعتماد القوة القومية على الإعداد العسكرى هو من الوضوح إلى الحد الذى لا يتطلب الكثير من الشرح والتحليل، وهو يتطلب جهازاً قادراً على دعم السياسات الخارجية المتبعة. وتنبثق هذه القدرة عن عدد من العوامل التى تعتبر الابتكارات التقنية والقيادة وكم القوات المسلحة وكيفها فى مقدمتها. فكثيراً ما يقرر مصير الأمم والحضارات نتيجة تفاوت فى تقنية الحرب، فقد أدى إدخال سلاح الإشارة والأسلحة النارية والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر إلى تحول ضخم فى توزيع القوة لمصلحة الدول التى امتلكت هذه الأسلحة الجديدة قبل أعدائها. ومع تقدم الزمن مال ميزان القوة إلى صالح من تملكوا الأسلحة النووية. أما القيادة العسكرية فلعبت دائماً دوراً حاسماً فى القوة العسكرية، فكلما كانت القيادة متفهمة للبيئة المحيطة بها وعبقرية فى اتخاذ القرارات كلما أسهم ذلك فى تعزيز القوة العسكرية بشكل إيجابى والعكس صحيح. كما أن قوة أية دولة على الصعيد العسكرى تعتمد على ما لديها من قوات وأسلحة وتوزيعها على الفروع المختلفة للجهاز العسكرى، وقد تكون للدول كفاية طيبة على صعيد تفهمها للابتكارات التقنية فى علم الحرب، وقد يتفوق قادتها العسكريون فى فنون التعبئة المتعلقة بطرائق الحرب وأساليبها الجديدة، ولكن هذه الدولة قد تظل من الناحية العسكرية، وبالتالى من الناحية السياسية، ضعيفة إذا لم يكن لديها الجهاز العسكرى الصالح لأداء المهام التى قد يوكل إليه أمرها وذلك من ناحية قوته العددية الشاملة وقوة أجزائه المختلفة. 4- السكان: فالعامل البشرى مهم جداً فى حساب القوة. فدولة مثل جيبوتى لو توافر لها اقتصاد ضخم مثل الاقتصاد الأمريكى، وترسانة عسكرية كتلك التى كان يمتلكها الاتحاد السوفيتى السابق فمع ذلك لن تكون دولة كبرى نظراً لقلة عدد سكانها. فالعنصر البشرى له مكانة بجوار الموارد الطبيعية والجغرافيا والقدرة العسكرية والطاقة الصناعية. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)