من أخطر التهم التى تم توجيهها إلى المفكر فرج فودة وسرعان ما صدقها السذج سماعى وشفاهية دون قراءة كلمة واحدة من كتب فرج فودة الذى كان على العكس يريد الاحتفاظ لهؤلاء الصحابة بوقارهم واحترامهم الدينى وغربلة مواقفهم السياسية عن قدسيتهم الدينية. فى صفحة 118 من كتاب «من قتل فرج فودة» يتهم الشيخ الدكتور عبدالغفار عزيز الدكتور فودة بأنه يسب الصحابة، ولذلك يجب أن يعاقَب لأنه لم يمتثل لأمر النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله «لا تسبوا أصحابى»، والواقع أن هذا الخلط نتج عن تصور المؤلف أن الصحابى المتدين هو الصحابى السياسى، وأنه فى الموقفين شخص واحد علينا توقيره وإجلاله وعدم معارضته، وهذا خلط بيّن ووهم متفشٍّ بين كل من يتعرضون لمثل هذه الأمور، فلم يعترض فرج فودة على إيمان وتقوى وتدين هؤلاء الصحابة، ولكن الاعتراض عليهم عندما مارسوا السياسة وانغمسوا فيها وبدأت حرب حماية المصالح واستحواذ المغانم. ونتساءل عمن كان قاسياً على الصحابة، فرج فودة أم الصحابة الذين هاجموا عثمان بن عفان ذى النورين؟ من كان قاسياً، فرج فودة أم على ابن أبى طالب كرّم الله وجهه عندما قال لابن عباس فى رسالته إليه عندما طالبه برد أموال بيت المال حين كان واليه على البصرة: «أما تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً؟»، هذا الكلام قالته كتب التاريخ ولم يخترعه فودة، والخلط ليس فى صالحهم على الإطلاق حين يحاكمون بمنطق الدين عن تصرفات سياسية. أما الفصل، والذى كان من رأى فرج فودة، بين ما هو دينى وما هو سياسى، فهو فى صالحهم حين يحتفظ لهم بالوقار والإجلال الدينى مع وضع أخطائهم فى ميزان السياسة بأخطائها ومصالحها ومناوراتها. أما تهمة العلمانية فهى تهمة ينطبق عليها القول بأنها «تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه»، وتذكرنى هذه التهمة بموقف فى فيلم البداية لصلاح أبوسيف عندما أقنع جميل راتب رجل الأعمال سكان الواحة بأن أحمد زكى رجل ديمقراطى وبدأ الكل يتعامل معه على أنه شخص مجذوم والمفروض أن يبتعد الجميع عنه «ده ديمقراطى يعنى ما يعرفش ربنا».. وكذلك فعل الشيخ عبدالغفار عزيز، فالعلمانى كافر والعلمانية كما يقول فى ص 171 مصطلح يعنى اللادينية وليسمح لى بأنه أقول له إن هذا ما هو إلا محض كذب وافتراء، ولنعد إلى أصلها اللغوى Secularism المشتق من كلمة لاتينية هى saeculum بمعنى القرن، ولو شئنا الدقة الكاملة لكانت الترجمة الصحيحة للكلمة هى الزمانية، أى التى ترتبط بالأمور الزمنية، أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض، فى مقابل الأمور الروحانية التى تتعلق أساساً بالعالم الآخر، إذن فالعلمانية لا تعنى من قريب أو بعيد اللادينية على إطلاقها ولكنها تقصر التنظيم السياسى للمجتمع على اجتهادات البشر دون أن يكون لفئة منهم الحق فى الزعم بأن هذه وجهة نظر السماء، كانت هذه هى أهم التهم التى وجّهها د. عبدالغفار عزيز وقتها للدكتور فرج فودة وسار وراءه قاتلوه، وكان منهم من لا يقرأ أصلاً، اتهمه بأنه كافر خارج عن ملة الإسلام وعضّد رأيه بكتابات ابن تيمية وفتاويه، ولكنه طبعاً لم ينسَ أن يستنكر ويشجب القتل ولكن القتل بأيدى المتطرفين فقط هو المستنكَر عنده، فهو يقول فى ص 7: «كنا نتمنى أن تكون الدولة هى التى تتولى محاكمته وأن تدينه باعتباره من عتاة المتطرفين وتقيم عليه الحكم الشرعى الذى يستحقه»، وتكررت هذه العبارات فى محاكمته من الشيخ الغزالى، أى إنه يعترض فقط على أن القتل لم يكن على الطريقة الشرعية!! أى إنه ظل يكفّر ويكفّر وهو يعرف تماماً أن التكفير إعدام مؤجل لحين توافر الإمكانات والشروط، أى لحين توافر من اقتنع ونفذ وأطلق الرصاص، ولكن وهو يعرف تماماً أن من منحه الفتوى منحه معها راحة الضمير، وأجر من غيّر المنكر بيده، وبعدها: هل يحق لى أن أتساءل بكل براءة، وبعد كل هذه السنوات، من هو القاتل الحقيقى لفرج فودة؟!