"تسعى كل من مصر، وإثيوبيا، إلى إظهار جانب بعينه من تقرير اللجنة الثلاثية الدولية الخاص بتقييم سد النهضة الإثيوبي على النيل، بحيث يناصر موقف كل منهم تجاه السد المختلف حوله" فيما يفضل السودان اتخاذ موقف محايد.. تلك هي الخلاصة التي توصل إليها خبراء مصريون في ملف مياه النيل في تقييمهم لردود أفعال الدول الثلاث على تقرير اللجنة الذي صدر مؤخرا. الجانب المصري، قال في بيان رئاسي مساء الأحد إن التقرير "أوضح أن الدراسات المُقدمة من الجانب الإثيوبي لا توضح التحديد الكمي لأي من الفوائد أو الآثار السلبية للسد، حيث إن هذه الدراسات لم تكن كافية بالشكل المطلوب الذي يتناسب مع مشروع بهذا الحجم"، مضيفا أن "التقرير أوصى بإجراء مزيد من الدراسات للجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأمان السدود، والموارد المائية فضلاً عن النواحي البيئية". أما الجانب الإثيوبي، الذي يعتبر طرفًا أساسيًا في الأزمة، فقال في بيان أصدرته وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، إن "تقرير الخبراء خلص إلى أن تصميم سد النهضة يستند إلى المعايير والقواعد الدولية، وأن السد يفيد بصورة عالية الدول الثلاثة (إثيوبيا ومصر والسودان)". وأضافت الوزارة أن "لجنة الخبراء التي عبرت عن تقديرها مبادرة إثيوبيا بإنشاء اللجنة، اقترحت إجراء تقييم إضافي حول الآثار المحتملة لسد النهضة وقدمت أفكارا من شأنها أن تساعد في تحقيق استفادة أفضل لدول الحوض من السد". هذا التباين في تقييم التقرير، فسره هاني رسلان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة بأن "كل طرف يسعى إلى إظهار الجانب الذي يؤيد ويناصر موقفه، سواء كان المؤيد أو المعارض لبناء السد، فإثيوبيا تستند إلى الجزء الإيجابي في التقرير حتى تتمكن من إيهام العالم بفوائد بناء السد، فيما تقوم مصر بإبراز الضرر الواقع عليها من بناء السد". رسلان أضاف: "لا يمكن أن نتجاهل أن إثيوبيا تتعمد تجاهل حديث مصر بشأن التقرير، وهو ما يفسر عدم محاولتها نفي ما جاء على لسان الخبراء المصريين، فصمت إثيوبيا يعني أنه لم يقدم كافة الدراسات المطلوبة للخبراء الدوليين، فضلاً عن قرارهم بأنهم ماضون في بناء السد بغض النظر عن ما يثيره الجانب المصري حول نتائج التقرير"، الذي سلمته اللجنة للدول الأطراف مساء السبت الماضي. وكشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في شرق إفريقيا في وقت سابق اليوم أن "إثيوبيا طلبت عقد اجتماع لدول حوض النيل الموقعة على اتفاقية عنتيبي الإطارية الرامية لإعادة تقسيم مياه النيل، لدراسة الوضع عقب صدور تقرير اللجنة الدولية المعنية بتقييم سد النهضة الذي تسعى إثيوبيا لتشييده على نهر النيل وتتحفظ عليه مصر". أيمن عبدالوهاب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أوضح بدوره أن "كل دولة سعت إلى البحث عن مصلحتها من خلال اختيار الجوانب الإيجابية في التقرير حتى تقلل درجة الانزعاج من موقفها". وأشار في الوقت نفسه إلى أن "انتشار الحديث عن التقرير الدولي في وسائل الإعلام المصرية يرجع إلى أن القضية تحولت إلى رأي عام، على عكس الأمر في إثيوبيا التي ترى أن مصلحتها بناء السد، لذلك هي لا تحاول الإفصاح عن تفاصيل التقرير، بل على العكس تسعى إلى دفن التقرير بعدم التطرق إليه غير في إطار ضيق، وبتجنب الرد على ما يثيره الجانب المصري". كانت شخصيات سياسية مصرية، من رؤساء الأحزاب، قامت بالتصعيد ضد أديس أبابا خلال لقائها مع الرئيس المصري محمد مرسي أمس الإثنين، والذي أذيع منه مقتطفات على الهواء، وتخلله عدة مقترحات حادة ضد أديس أبابا، من ضمنها التدخل العسكري، أو توسيع الدور الاستخباراتي في إثيوبيا بهدف الضغط عليها. عبدالوهاب أوضح أن تقرير اللجنة يبقى "استشاريا وغير ملزم، كما أنه يسلم إلى الحكومات وليس لوسائل الإعلام، وبالتالي فإن عدم كشف الخبراء الدوليين عن تفاصيله يعني أنهم التزموا بمهمتهم في كتابة التقرير معتمدين على دراسات ناقصة وغير كافية، وتركوا مهمة الحديث عن تفاصيل التقرير للدول المعنية، والتي فضلت انتقاء الجانب الذي يؤيد موقفها من بناء السد". من جهته، لم يصدر الجانب السوداني تعليقاً على التقرير سوى ما قالته الخارجية السودانية في تصريح لها من أن "الجهات الفنية بوزارة الكهرباء والموارد المائية السوداينة أكدت أن خطوة تحويل مجرى نهر النيل الأزرق (أحد روافد نهر النيل) لا تسبب للسودان أي أضرار، والسودان ملتزم بالتعاون مع كلٍ من أثيوبيا ومصر في مجال مياه النيل لتحقيق أكبر فائدة مشتركة للدول الثلاث". وفيما تعد مصر والسودان دولتي المصب من بين 10 دول يضمهم حوض النيل، تعتبر إثيوبيا من أبرز دول المنبع، حيث وقعت و6 دول أخرى هي رواندا، بوروندي، أوغندا، كينيا، تنزانيا، والكونغو الديمقراطية، على اتفاقية "عنتيبي" الإطارية، بينما أعلن سفير جنوب السودان بمصر مؤخرا عزم بلاده (أحدث دولة عضو بتجمع حوض النيل) التوقيع على الاتفاقية، بينما امتنعن مصر والسودان معتبرين أن الاتفاقية ستؤثر على حصتهما في مياه النيل. كانت اللجنة الثلاثية الدولية المختصة بدراسة تأثيرات سد النهضة الإثيوبي، أعلنت السبت الماضي، أنها سلمت تقريرها النهائي حول السد إلى حكومات الدول الثلاث المعنية "إثيوبيا ومصر والسودان". وأضافت اللجنة، في بيان لها، إنها "تنتظر رد كل دول من الدول الثلاث على موقفها وتقييمها إزاء التقرير"، من دون مزيد من التفاصيل حول غير ما إذا كان يمثل خطورة على الحصص المائية لدولتي المصب "مصر والسودان". وتتكون اللجنة الفنية الثلاثية لتقييم سد النهضة من 6 أعضاء محليين، "اثنان من كل من مصر والسودان وإثيوبيا"، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود. وجاء قرار تشكيل اللجنة وفقا لاقتراح من رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي الذي دعا وزراء المياه في الدول الثلاث لبحث ودراسة موضوع السدود من جميع جوانبها وذلك بعد أن أعلنت بلاده رسميا في الثاني من أبريل2011 عن بدء الأعمال الإنشائية لسد النهضة.