عندما يهل الربيع تطل علينا بأغنية "الدنيا ربيع"، من فيلم "أميرة حبى أنا"، وتظل الشاشة تنبض ب "الحياة بقى لونها بمبى"، وفى عيد الأم تحيى كل أم ب"صباح الخير يا مولاتى"، وأهدت للبنات أغنية "البنات البنات"، وفى ذكرى وفاتها ترن كلمات أغنياتها فى لحن حزين "بانو على أصلكم"، من فيلم "شفيقة ومتولى". السندريلا سعاد حسنى .. الغائبة الحاضرة فى كل المناسبات، رقصت وغنت ومشت على الحبال، وسحلت على الأرض، واغتصبها "مخبر"، صنعت مشاهد لن ينساها التاريخ، جردت الواقع السياسى والاجتماعى ونقلته كما هو دون "دوبلير" أو ترك تفاصيل المشهد لخيال المشاهد. الابتسامة البريئة التى ظهرت بها الراحلة سعاد حسنى وعمرها 17 عاما، لأول مرة على شاشات السينما فى عام 1959، لم يتوقع أحد من صاحبتها تلك الفتاة الصغيرة الساحرة إنها ستصنع أسطورة سينمائية مختلفة، جمعت فيها بين الجرأة والأنوثة، والرومانسية والشقاوة. مازالت ذاكرة السينما تحتفظ لها بعشرات الأفلام التى تناولت قضايا مهمة، فهى الزوجة المحبة والخائنة، والفتاة البرجوازية والفقيرة، الدلوعة المرفهة، وبطلة المولد الفقيرة، لكن تظل هناك مشاهد صنعت اسم سعاد حسنى، مشاهد صادمة لم يتخيل المجتمع أن تواجهه تلك الفتاة التى تعشق الرقص واللهو والضحك، بحقيقتها عارية ومجردة من وقائع مسكوت عنها جسدتها السندريلا على الشاشة. أصعب مشاهدها على الإطلاق كان لقطة فى الفيلم السياسى "الكرنك" عام 1975، بعد لحظة اغتصاب مخبر البوليس السياسى "فرج" لطالبة الجامعة الثائرة على أوضاع البلاد زينب، للضغط على زملائها للاعتراف بأنهم تنظيم سرى، خلال عصر جمال عبد اللناصر. ولعل أكثر ما أثار الجدل حول هذه اللقطة أن مخرج الفيلم على بدرخان كان زوجها فى هذا الوقت، وطلب منها أن تعيد المشهد أكثر من مرة حتى يحصل على أفضل لقطة، وانهمرت هى فى البكاء بعد أن أدت المشهد الذى تحذفه القنوات المصرية من الفيلم عند إذاعته حتى الآن. الفتاة الفقيرة التى تطحنها ظروف البلاد الاجتماعية ولا يرحمها الباشا، إحسان فى فيلم "القاهرة 30"، إنتاج عام 1966، الفيلم ينتقد الحكم الملكى والانتهازية والفساد، واستطاعت السندريلا أن تجسد دور زوجة محجوب عبد الدايم، الشاب الفقير الذى يتزوج من عشيقة قاسم بك وكيل الوزارة مقابل وظيفة وشقة، بشرط أن يزوره مرة واحدة فى الأسبوع. في عام 1967 طلت سعاد بشكل جديد من أشكال الظلم، فاطمة الفلاحة الفقيرة، زوجة أبو العلا، التى يطمع بها العمدة رمز الحاكم الفاسد، واستطاعت من خلال فيلم "الزوجة الثانية" أن تظهر قوة تلك الفتاة تلك الضعيفة الهزيلة التى تنجح فى قهر ظلم العمدة وتظل مخلصة لزوجها. أجادت السندريلا أن تجمع بين الأدوار المركبة، فاستطاعت أن تجسد دور التوأم فى فيلم "نادية"، وكيف مزجت بين شخصيتين كل منهما لا تشبه الأخرى فكريا وعاطفيا، ولكن بقى دورها فى فيلم "بئر الحرمان" عام 1969، أصعب الأدوار المركبة، هى ناهد وميرفت، جمعتهما فى شخصية واحدة، شابة وحيدة أبويها تعانى من "الشيزوفرينيا"، فهى صباحا الطالبة الجامعية المحترمة، وفى المساء ترتدى الفستان الأحمر والباروكة وتتحول إلى فتاة ليل دون أن تعلم. فى عام 1970 ظهرت فى فيلم "غروب وشروق"، ويرى النقاد إنها بداية نضجها الفنى، تتزوج مديحة ابنة عزمي باشا، رئيس البوليسي السياسي، تتزوج من طيار، ولكنه بعد وقت قصير جدا تظهر الخلافات بينهما لضعف شخصيته، وتخونه مع مع صديقه، وتجمع السندريلا مشاعر الابنة المدللة والزوجة الخائنة والعشيقة التى أغوت صديق زوجها. مرة أخرى تبتعد سعاد حسنى الفتاة الشقية عن الأفلام الخفيفة، وتظهر شفيقة التى تنجرف إلى العمل فى الدعارة بعد أن يذهب أخوها الوحيد للعمل بالسخرة فى حفر قناة السويس، ويظهر الذل والقهر فى شعب يستعبده الغرب، وتصبح شفيقة عشيقة ابن شيخ البلد، وبعد أن تفضح علاقتها ترحل، حتى تصل إلى أفاندينا وحاشيته وتبدأ فى كشف طبيعة عمله، الذى يقرر أن يقتلها فى نفس الوقت الذى قرر أخوها أن يغسل عاره، فى فيلم الملحمة الشعبية "شفيقة ومتولى" الذى انتجه للسينما يوسف شاهين عام 1979. الراقصة الجامعية "زوزو" الفتاة الشقية التي تقع فى حب الشاب الثري، ويحاول المحيطون به أن يفضحوا أمر والدتها الراقصة، ويسخرون من الأم والفتاة فى حفل عائلى أرستقراطى، وتضطر زوزو أن تدافع عن أمها، وترقص بدلا منها أمام أسرة حبيبها، وتطل السندريلا بملامح قاسية وهى ترقص بعد أن كانت مثال للمرح والضحك، لتظهر القهر المجتمعى الذى تمارسه فروق الطبقات، من خلال فيلم "خلي بالك من زوزو" عام 1972. ولا ينسى عشاق السندريلا، فتاة المولد بهية، التى تظهر فروق طبقات المجتمع عندما تعشق أستاذا جامعيا يتحدى العالم ليتزوجها، فى الفيلم الاستعراضى "المتوحشة" عام 1979، واستطاعت أن تؤدى استعرضات رائعة أبهرت الجمهور وأضحكته، رغم حزنها. وربما لم تختر سعاد حسنى أن يكون آخر دور لها على الشاشة هو فيلم "الراعى والنساء" عام 1991، حيث تشابهت حياتها فى هذا الوقت مع البطلة وفاء التى تعانى الوحدة والفراغ العاطفى، وتعيش فى واحة مع ابنتها وأخت زوجها، حتى يظهر فجأة فى حياتهم رجل، ويقيم علاقة مع الثلاثة، ثم تقتله الابنة. المشهد الأخير فى حياة السندريلا كان أكثرهم قوة وغموضا، فى 21 يونيو 2001 سقطت من شرفتها بالمبنى الذى كانت تقييم به فى لندن، رحلت وانتهت أسطورة صنعتها من 91 فيلما، وتركت علامات الاستفهام متناثرة حول غموض وفاتها، وحتى الآن لا توجد إجابات شافية هل قتلت سعاد حسنى أم انتحرت؟.