11 عاما مرت علي رحيلها, من يصدق أنها غابت عنا كل هذه الأعوام؟. هل رحلت فعلا سعاد حسني؟..صاحبة الموهبة الفطرية التي لم تتكرر حتي اليوم.. سعاد التي طالما ملأت الدنيا حبا وبهجة وصفاءا.. المرأة والانثي والطفلة والبريئة..نصدقها في كل حالاتها,لأنها ببساطة تتسرب بصدقها الي مشاعرنا.. الممثلة صاحبة الأوجه المتعددة.. كل شخصية قدمتها كانت هي بالحرف الواحد تلك الشخصية بلحمها ودمها وروحها, أتصور ببساطة ان سعاد لم ترحل. كانت سعاد تجيد ملأ الفراغات, أو بلغة السينما والفن تقفل الشخصية فلا يستطيع أحد أن يقدمها بعدها, وكل من كان يحاول الاقتراب, من أحد الشخصيات التي قدمتها كانت تلفحه نار المقارنة, فهي سعاد واحدة لن تتكرر وكثيرا ما كتبت عن شخصيتها والعوامل التي ساهمت في تشكيلها, ولكن بعد كل هذه السنوات لم يبق سوي فنها وشخوصها المتنوعة والمتعددة عبر مشوارها الفني, سواء في أفلامها الخفيفة التي قدمتها في البدايات وصولا إلي الأدوار التي شكلت علامات بارزة في تاريخها, لذلك سنختار5 أدوار تحمل وجوها متنوعة ومتعددة لا يمكن أن تنسي لها. نجحت سعاد حسني في لفت نظر المخرج الكبير صلاح أبو سيف والذي اختارها لتقدم دور إحسان شحاتة في فيلم القاهرة30(1966) فقامت فيه بدور إحسان التي كان لها من اسمها نصيب كبير, فهي الفتاة الجميلة شديدة الحسن, ولكنها تعيش في فقر مدقع يضطر أهلها إلي الشحاتة, هذه الظروف تضطر إحسان الي أن تعيش بين ثلاثة رجال يمثلون واقعها وأحلامها ومصيرها الذي سينتظرها, فعلي الطالب الثوري الباحث عن المدينة الفاضلة هو حلم حياتها الذي يحرمها واقعها الفقير المرير من الارتباط به, والثاني هو محفوظ عبدالدايم الذي تتزوجه كومفو فلاج لتخفي علاقتها الغير شرعية بالباشا, والباشا هو الرجل الثالث الذي يشكل مصيرها. ويبدو أن صاحبة الموهبة المتفردة أدركت أن هذا الدور هو فرصتها, لتنطلق إلي مرحلة جديدة, فذاكرت سعاد الدور جيدا ودرست تحولاته علي مستوي الشكل الخارجي أو التكوين الداخلي للشخصية_(لاحظ نظرة عينيها التي تغيرت من البراءة في مشاهدها مع علي حبيبها, وصولا إلي الاستسلام والإحساس بالقهر والظلم من واقعها المرير, واحتقارها لمن أجبرتها الظروف علي الزواج منه محفوظ, وهي في علاقة مع الباشا.. وكيف باتت جسدا بلا روح. وإذا كان صلاح أبوسيف قد شكل نقطة الانطلاق في مشوار سعاد, فهي الاخري استطاعت أن تحلق معه وتغرد في منطقة أخري من الإبداع وكأنها تحررت من القالب الذي كان بعض المنتجين يصرون علي وضعها فيه, لذلك قدمت تجربتها الثانية مع أبوسيف في فيلم الزوجة الثانية.. والذي قدم سعاد بشكل مختلف جذريا في دور فاطمة تلك الفلاحة التي تتحدي عمدة قريتها الذي يقوم بتطليقها من زوجها, وكان لممثلة أخري أن ترتعد من الوقوف أمام اثنين من عباقرة التمثيل يشاركانها بطولة الفيلم.. وهما صلاح منصور وسناء جميل ولكن لأنها هي الاخري موهبة متفردة استطاعت أن تكون غول تمثيل أمام هؤلاء العباقرة ولم تفلت منها الشخصية لحظة واحدة. استمرت بعد ذلك سعاد في تقديم أدوار متنوعة ومتباينة مع مخرجين شباب مثل سعيد مرزوق في زوجتي والكلب, والخوف, وأيضا تجاربها المميزة مع كمال الشيخ, في بئر الحرمان وغيره والحب الضائع مع بركات وفي عام1970, أكدت سعاد حسني علي نضوجها الفني في فيلم مثل غروب وشروق من إخراج كمال الشيخ, وهو واحد من أهم أدوارها التي لا يمكن أن تنسي حيث جسدت ابنة رئيس البوليس السياسي مديحة..تلك المرأة التي تضيع حياتها بسبب طموح والدها وطبيعة عمله. حمل الفيلم مشهدين يعتبران من الماستر سين في السينما, الأول وهو المشهد الذي جذبها فيه زوجها الذي جسد شخصيته إبراهيم خان من سرير صديقه, أما الثاني فهو الذي كانت تنظر فيه من الشباك علي أبيها- رئيس البوليس السياسي- الذي تم القبض عليه وأيضا علي حبيبها الذي ضاع منها. نظرة فيها كثير من الانكسار. ولأن سعاد كانت تدرك أن الفن معادلة صعبة عليها أن توازن بين طرفيها من إبداع وإمتاع طوال الوقت, لذلك قدمت في عام1972 فيلم خلي بالك من زوزو لحسن الإمام والذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا لدرجة أنه استمر في السينمات قرابة العام, ومع زوزو قدمت سعاد واحدة من أجمل شخوصها في السينما زينب الجامعية المتحررة الواعية التي ترقص وتغني ولكنها في النهاية ينظر إليها المجتمع علي أنها قادمة من عالم الغوازي, رغم أنها لاتخجل من ذلك بل تفتخر بأنها ابنه نعيمة ألماضية رغم أن أصلها هذا بات يقف بينها وبين حبيبها الثري.. ورغم قصة الفيلم البسيطة إلا أن زوزو ستظل من أجمل الشخصيات التي جسدتها سعاد في السينما المصرية والعربية, وأدتها سعاد بتلقائية وخفة دم من الصعب تكرارهما. ومن الوجوه التي لا تنسي في مشوار سعاد هو شفيقة بفيلمها شفيقة ومتولي والذي قدمته مع علي بدرخان عام1978 و كانت أحداث الفيلم تدور في منتصف القرن ال19 وجسدت دور شفيقة الفتاة الصعيدية الفقيرة التي تجبرها ظروفها في أن تتحول إلي غانية بعد أن تبدل حالها عقب سفر شقيقها متولي ليشارك في حفر قناة السويس, لتواجه شفيقة مصيرها المأساوي واتخذ الفيلم بعدا ملحميا, انعكس بالطبع علي أداء سعاد والتي أدركت أن شفيقة قد تحمل رمزا لما هو أكبر من الشخصية وكعادتها دوما كانت سعاد موفقة للغاية في اختيار خطواتها التالية, وقدمت العديد من التجارب الهامة مع مخرجي الموجة الجديدة في السينما ومنهم سمير سيف و محمد خان الذي قدمته واحد من أفضل أدوراها علي الإطلاق بفيلم موعد علي العشاء(1981) حيث جسدت دور زوجة مكسورة وتعاني من القهر النفسي من زوجها المتبلد الإحساس, والذي لا يعرف سوي شهوة الامتلاك فتطلب الطلاق وترتبط بشاب بسيط يعمل كوافير جسده أحمد زكي وهو ما يرفض الزوج تصديقه ويعاقبها عليه ويتخلص من زوجها الثاني, مما يضطر الزوجة للانتقام منه ومن نفسها أيضا.