العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    فتح باب التقدم لجوائز جامعة القاهرة لأعضاء هيئة التدريس حتى نهاية يوليو المقبل    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    التعليم العالى: الوزارة أنفقت أكثر من 10 مليارات جنيه على التحول الرقمى    رئيس مركز المناخ يحذر من التعرض لأشعة الشمس للحفاظ على السلامة الشخصية    وزارة المالية: العاملون بالدولة يبدأوون بصرف مرتبات يونيو اليوم الأحد    محافظ كفر الشيخ يتابع جهود حملات إزالة الإشغالات بدسوق    جيش الاحتلال: رصدنا سقوط طائرتين مسيرتين شمال الجولان أطلقتا من جنوب لبنان    تحذير أممي من انهيار النظام الصحي في السودان    سفير مصر الأسبق بإسرائيل: مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة يضع كل طرف أمام مسئوليته    الجامعة العربية تعقد اجتماعا تشاوريا حول منتديات التعاون العربي الإقليمي    لجنة تخطيط الأهلي تجتمع مع كولر عصر اليوم.. اعرف السبب    بيدري: الإصابة أصبحت من الماضي.. ودي لا فوينتي شجعني في الأوقات الصعبة    فكري صالح: مصطفى شوبير حارس متميز وشخصيته في الملعب أقوى من والده    تشاهدون اليوم.. تونس فى ضيافة ناميبيا بتصفيات إفريقيا للمونديال وفرنسا تستعد لليورو بمواجهة كندا    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    عاجل.. إعلامي شهير يعلن أولى صفقات الأهلي الصيفية    رئيس بعثة الحج الرسمية يتفقد أماكن إقامة حجاج القرعة بمكة المكرمة    تموين المنيا يضبط 89 مخالفة خلال حملات رقابية على المخابز البلدية والأسواق    السكة الحديد تفتح باب حجز التذاكر على قطارات العيد الإضافية اليوم    تجديد حبس شقيقين قتلا جارهما بالسلام    تضمنت قائمة بأدلة الثبوت.. إرسال قضية سفاح التجمع إلى النائب العام    أجندة قصور الثقافة.. عروض لفرق الأقاليم المسرحية واحتفالات بيوم البيئة العالمي    في يومه العالمي.. كيف كان أرشيف الحضارة المصرية القديمة وأين يحفظ؟    صدمة لجمهور أفلام عيد الأضحى.. الأطفال لن تشاهد تلك الأفلام (التفاصيل كاملة)    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    فى ذكرى رحيله.. عبدالله محمود شارك عمالقة الفن خلال رحلة فنية قصيرة    وزارة الصحة: نستهدف رفع الوعي بالكشف المبكر عن الأورام السرطانية    الصحة: الانتهاء من قوائم الانتظار لعمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق (تفاصيل)    «معلومات الوزراء» يلقي الضوء على ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    عرض حلول تحديد الهوية بمؤتمر الأمن السيبراني .. تفاصيل    برقم الجلوس.. الموقع الرسمي لنتيجة الصف الثالث الإعدادى 2024 الترم الثاني للمحافظات (رابط مباشر)    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    رفع 3 رايات على شواطئ الإسكندرية بسبب الأمواج اليوم.. اعرف التفاصيل    شركة فولفو تنقل إنتاج السيارات الكهربائية من الصين إلى بلجيكا    الشركة القابضة المصرية الكويتية تعلن عودة الغاز إلى مصانع الأسمدة التابعة    إلغاء الأدبي والعلمي.. تفاصيل نظام الثانوية الجديد وموعد تطبيقه    اليوم.. "إسكان الشيوخ" تعقد 7 اجتماعات بشأن مشروعات طرق    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    حنان ترك تتصدر التريند بسبب ابنتها.. ما القصة؟    «مع بدء طرح أفلام العيد».. 4 أفلام مهددة بالسحب من السينمات    عالم أزهري يوضح فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية اغتنامها    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    عدلي القيعي يكشف شعبية الأهلي في مصر ب إحصائية رقمية    وزيرة البيئة: إطلاق مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف بالقاهرة خلال 2024    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    «البحرية البريطانية» تعلن وقوع حادث على بعد 70 ميلا جنوب غربي عدن اليمنية    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    أمير هشام: كولر يعطل صفقة يوسف أيمن رغم اتفاقه مع الأهلي ويتمسك بضم العسقلاني    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" تنشر حيثيات طعن "قضايا الدولة" على حكم بطلان تعيين النائب العام
الطعن استند إلى مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله
نشر في الوطن يوم 23 - 05 - 2013

حصلت "الوطن" على الأسباب التي استندت عليها "هيئة قضايا الدولة" في طعنها المقدم ضد حكم بطلان تعيين المستشار طلعت عبد الله، النائب العام، وهي مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك للأسباب الآتية :
السبب الأول: أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بعدم قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى طعنا على الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012استنادا إلى انه من المقرر أن الوثائق الدستورية الوطنية تنال مرتبتها العليا وتتمتع بمكانتها الدستورية في الأنظمة القانونية حال كونها الوثائق الوحيدة في البنيان القانوني الوطني التي تستند مباشرة لإرادة الشعب بموافقته عليها عن طريق الاستفتاءات التي تجرى عليها وانتهت المحكمة في أسباب حكمها إلى أن القرارات الصادرة بالإعلانين الدستوريين محل المنازعة أيا كان وجه الرأي فيها لم يتم استفتاء الشعب عليها ومن ثم لا ترقى إلى مرتبة النصوص الدستورية.
وهذا الذي ذهب إليه الحكم جاء مخالفا للقانون وضاربا بالإعلانات الدستورية الصادرة عقب قيام الثورات التي حدثت سواء في مصر أو غيرها عرض الحائط ، بل إن هذا القضاء يهدر شرعية الوثائق والإعلانات الدستورية التي صدرت في تاريخ مصر الحديث عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 وحتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، ذلك أن هذه الإعلانات الدستورية هي نتاج طبيعي وطريق قانوني عقب قيام الثورات .
ذلك أن الوضع القائم في أعقاب الثورات والانقلابات لا يمكن أن يقاس بمنطق النظرية التقليدية الوضعية في تحديد الصلاحيات والاختصاصات فمصدر الإعلان الدستوري يستمد سلطته في إصدارها من كونه سلطة واقع وليس من قاعدة قانونية أعلى كما هو متواتر عليه في تلك النظرية .
ولذلك فلا محاجة في سلطة رئيس الجمهورية في إصدار الإعلانات الدستورية خلال المرحلة الانتقالية بمقولة أن الرئيس تم انتخابه على أساس أن له اختصاصات محددة منصوص عليها بالمادتين 25 ، 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 والإعلان الدستوري المكمل الصادر في 17/6/2012 وانه لا يجوز له تجاوز الاختصاصات المحددة له دستوريا واغتصاب سلطة ليست له .
فهذا القول مردود بأن مصدر الإعلان الدستوري يجوز له العدول عنه والخروج على الإعلانات الدستورية القائمة ما بقيت الحالة الثورية والمرحلة الانتقالية قائمة ، مثلما حدث في ظل إعلان 10 فبراير 1953 وأيضا الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي عُدل أثناء المرحلة الانتقالية أكثر من مرة .
ومن ثم فإن ما صدر من رئيس الجمهورية من إعلانات دستورية بحكم منصبه باعتباره الرئيس المنتخب انتخاباً حراً مباشراً وهو الأكثر قدرة على التعبير عن آمال المواطنين وآلامهم والأكثر دراية بمتطلبات الدولة وشئون الحكم بحكم موقعه كرئيس للدولة .
ولذلك فإن قراراته أيا كان وصفها القانوني تكون نابعة من مسئولياته تجاه الشعب الذي اختاره والذي أتى به إلى سدة الحكم وهذه هي أصول الحياة الديمقراطية السليمة .
وإذا كان قد تم الاعتراف بحق المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إصدار إعلانات دستورية لتنظيم شئون الحكم خلال المرحلة الانتقالية فإن ذلك الحق يكون مقرراً من باب أولى للسيد رئيس الجمهورية وان رئيس الجمهورية بحكم منصبه هو الحكم بين السلطات والدولة لا تزال في مرحلة بناء مؤسسات جديدة والثورة لم تنته بعد ومطالب الشعب لم تتحقق فالأمر يدفع نحو مزيد من الفوضى ، فإن رئيس الدولة باعتباره المسئول الأول عن مواجهة كل ما يعرقل مسيرة الثورة ويؤدي إلى الفوضى وانهيارها سياسياً واقتصادياً كان لزاما عليه أن يصدر من الإعلانات الدستورية ما يحقق مصالح الشعب والمحافظة على مؤسسات الدولة ومنع العدوان عليها .
وفي ذلك يقول الفقيه الدستوري المرحوم الدكتور / محمد كامل ليله :
إن الإعلان الدستوري عمل من أعمال الثورة أريد به وضع تنظيم مؤقت للحكم خلال فترة معينة ، وانه بالتالي يخضع للتطورات الناجمة عنها حتى يتمشى معها ولا يكون عقبة في سبيلها .
وأضاف أن الحرص على تأمين الثورة من المعادين لها حتى تتمكن من تحقيق أهدافها هو الذي يبرر مختلف التصرفات التي صدرت من رجال الثورة في فترة الانتقال .
[ يراجع في ذلك مؤلف القانون الدستوري للمرحوم / كامل ليله ص 507 وما بعدها – طبعة 1971 ]
وإذا تناولنا وسردنا الإعلانات الدستورية التي صدرت عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 نجد أن الجهة القائمة على إدارة شئون البلاد في ذلك الوقت أصدرت العديد من الإعلانات الدستورية ، أولها الإعلان الدستوري الصادر من القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيس حركة الجيش بشان إعلان سقوط دستور 1923 وتم نشره بالوقائع المصرية بتاريخ 10/12/1952 ، ثم الإعلان الدستوري الموجه إلى الشعب المصري بشأن حل الأحزاب السياسية وتقرير فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات بتاريخ 17/1/1953 ، ثم الإعلان الدستوري بشان إعلان نظام الحكم أثناء فترة الانتقال بتاريخ 10/2/1953 ، ثم الإعلان الدستوري الصادر من مجلس قيادة الثورة بشان إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية بتاريخ 18/6/1953 .
وكل هذه الإعلانات الدستورية صدرت وتم العمل بها والسير على هديها وتم تنفيذها دون استفتاءات شعبية عليها بحسبان أنها ضرورة تشريعية لازمة في أعقاب الثورات وعمل من أعمالها .
بل أكثر من ذلك أن الدستور المؤقت الصادر في 1958 عقب قيام الوحدة بين مصر وسوريا لم يصدر باستفتاء شعبي مباشر ، وهو ما حدث أيضا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 المجيدة إذ أصدر المجلس العسكري باعتباره القائم على إدارة شئون البلاد عدة إعلانات دستورية لتيسير شئون البلاد في ظل عدم وجود دستور دائم لها ولم يتم الاستفتاء على هذه الإعلانات جميعا باستثناء الإعلان الدستوري الصادر في 19 مارس 2011 والذي كان يتضمن تسع مواد فقط هي التي تم استفتاء الشعب عليها ثم أضيف إليها مواد أخرى تربو على الخمسين مادة لم يتم الاستفتاء عليها ولم يقل احد بعدم شرعية مثل هذه الإعلانات الدستورية وعدم اكتسابها القيمة الدستورية لمجرد عدم الاستفتاء عليها كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه .
ولم يقل أحد بان الإعلانات الدستورية تستمد قوتها الدستورية من استفتاء الشعب عليها، إذ أن المستقر عليه في الفقه الدستوري أن الاستفتاء الشعبي هو وسيلة من ضمن وسائل وطرق إعداد ووضع الدساتير وليس الإعلانات الدستورية التي قد تلجأ إليها السلطة الحاكمة والقائمة على إدارة شئون البلاد للوقوف في وجه كل من تسول له نفسه أن ينال من أهداف الثورة ويعيق القائمين عليها عن استكمال تحقيق أهدافها وهو ما هدف إليه الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012.
إذ قرر في مادته الأولى أن تعاد التحقيقات في جرائم القتل والشروع في قتل المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبا سياسيا أو تنفيذيا في ظل النظام السابق ووفقا لقانون حماية الثورة .
وكذلك ما تضمنته مادته الثالثة من وضع ضوابط وشروط لتعيين النائب العام .
وما تضمنته مادته السادسة كذلك من تخويل رئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير والإجراءات الواجبة إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها .
وقد أدرجت المحكمة الدستورية العليا هذه الإعلانات الدستورية في عداد الدساتير وأصبغت عليها حكمها .
حيث سبق وأن طعن على الإعلانين الدستوريين الصادرين بتاريخ 1/12/1952 ، 10/2/1953 وعلى الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 وكلها صادرة بدون استفتاء شعبي أمام المحكمة العليا – قبل تسميتها بالمحكمة الدستورية العليا – فقضت بأن " إجراءات إصدار الدساتير تعتبر من المسائل السياسية التي لا يدخل النظر فيها او التعقيب عليها في ولاية هذه المحكمة التي يقتصر اختصاصها في شان رقابة الدستورية على الفصل في دستورية القوانين واللوائح ومن ثم فإن الطعن في إجراءات إصدار الإعلانين الدستوريين الصادرين في 10 ديسمبر 1952 ، 10 من فبراير 1953 والدستور المؤقت في 5 مارس 1958 وما انطوت عليه من أحكام إنما يعتبر من المسائل السياسية التي يجاوز نظرها والتعقيب عليها اختصاص المحكمة "
[ يراجع في ذلك القضية رقم 11 لسنة 7 قضائية دستورية بجلسة 1/4/1978 ج 2 عليا ص 120 – مشار إليه في الموسوعة الدستورية المصرية للمستشار / رجب عبد الحكيم سليم نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثالث ص 2897 – مشار إليه أيضا في مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا في أربعين عاما 1969 -2009 – ص 218 ]
ويستفاد من ذلك أن الإعلانات الدستورية وإجراءات إصدار الدساتير وتعديلها هي أمور سياسية لا محل لإسباغ الرقابة الدستورية عليها لكون ذلك متجاوزا تخوم ولاية هذه المحكمة .
ومن جهة أخرى فإن الشعب المصري إذ قام بثورته وأقر الوثيقة الدستورية فلا معقب على قراره ولا تحلل من إرادته حتى ولو لم يتم التوافق عليها من قبل بعض أفراد الشعب فتظل النصوص الدستورية دائما فوق كل هامة ملزمة للكافة إلى أن يتقرر تعديلها وإذ أبقى الدستور نفاذ آثار هذه الإعلانات الدستورية خلال الفترة السابقة على صدوره فقد أضحى لزاماً على الكافة احترام تلك الإرادة وإنفاذ هذه النصوص فإذا ما ورد بهذه الوثيقة نص ما صدر عن رئيس الجمهورية بأنه إعلان دستوري فإن إعمال هذا النص هو امتثال للإرادة الشعبية لإرادة الشعب الذي يحكم القضاء بإسمه .
وترتيبا على ذلك فإن الإعلانات الدستورية وما انطوت عليه لا يجوز الطعن عليها ولو أمام المحكمة الدستورية العليا .
ومن ثم يكون دفعنا بعدم جواز الطعن على الإعلانين الدستوريين في محله جديرا بالقبول ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدفع قد جاء على غير سند من القانون جديرا بالإلغاء .
والقول بغير ذلك سوف يترتب عليه آثار خطيرة تمس كيان الدولة وتقوض أركانها ويتمثل ذلك في إهدار كل قيمة للإعلانات الدستورية التي صدرت عقب قيام الثورة والتي لم يتم الاستفتاء عليها شعبيا بحسب الشرط الذي تطلبته محكمة أول درجة لشرعية هذه الإعلانات ودستوريتها وهو ما يؤدي إلى إهدار الكثير من مؤسسات الدولة التي تشكلت بناء على هذه الإعلانات والرجوع بالبلاد إلى الخلف وإشاعة الفوضى بين المواطنين وانهيار النظام الاقتصادي.
السبب الثاني : مخالفة الحكم المطعون فيه للقواعد الدستورية وإهدارها وعدم الاعتداد بها :
ومن ناحية أخرى : فإن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه استناداً إلى فكرة المبادئ فوق الدستورية وهي فكرة عامة واسعة وفضفاضة لا يمكن الوقوف على ماهيتها ومدلولها . و ما يعتبر من المبادئ فوق الدستورية في دولة معينة لا يعتبر كذلك في دولة أخرى . وعلى العكس من ذلك تماما فقد أهدر الحكم المطعون فيه نصوص الدستور الجديد المعمول بها حالياً والتي تم استفتاء الشعب عليها بوصفه صاحب السلطة ومصدرها وهو في ذلك يخالف ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا من أنه : -
لا يمكن أن تكون النصوص الدستورية – وتلك غاياتها – مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها وإنما قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها .... أو الإخلال بمقتضياتها أو الإعراض عن متطلباتها فيجب دوماً أن يعلو الدستور و لا يٌعلى عليه . وأن يسمو ولا يٌسمى عليه .
(يراجع القضية رقم 11 لسنة 13 ق . دستورية جلسة 8/7/2000 ج9 دستورية ص667 مشار إليه في الموسوعة الدستورية سالفة الذكر ص2866
كذلك فإن هذا القضاء يتصادم مع نص المادة (227) من الدستور الحالي والتي تنص على أن " كل منصب يعين له الدستور أو القانون مدة ولاية محددة ، غير قابلة للتجديد أو قابلة لمرة واحدة يحتسب بدء هذه الولاية من تاريخ شغل المنصب .... "
وقد عين الدستور في المادة (173) منه مدة شغل منصب النائب العام بأربع سنوات ولمرة واحدة طوال مدة عمله .
وقد استنفد السيد المستشار المطعون ضده هذه المدة و تجاوزها . ومن ثم لا يجوز له العودة إلى شغل هذا المنصب مرة أخرى . إعمالا لأحكام الدستور الجديد بعد موافقة الشعب عليه باعتباره مصدر السلطات ، وإذ ذهب الحكم الطعين خلاف ذلك وقرر بأحقية النائب العام فى العودة الى منصبه السابق فقد أهدر نصوص الدستور الجديد .
كذلك أيضا أهدر الحكم المطعون فيه نص المادة (236) من الدستور و التي نصت على أن " تلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من فبراير سنة 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور ويبقى نافذاً ما ترتب عليها من أثار في الفترة السابقة .
وأنه من أثار هذه الإعلانات الدستورية ترك السيد المستشار المطعون ضده منصبه كنائب عام لاستنفاد مدة ولايته لهذا المنصب . وتعود لرئيس الجمهورية سلطته في تعيين نائب عام جديد إعمالاً لنص المادة (119) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 142 لسنة 2006 والمعمول به وقت إصدار القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 بتعيين السيد المستشار / طلعت إبراهيم محمد عبد الله نائباً عاماً .
ومن ثم فقد انتفت مصلحة المطعون ضده في إقامة هذه الدعوى ويكون دفعنا المبدي بمذكرة دفاعنا الأصلية و التكميلية في محله ويكون ما قضى به الحكم المطعون فيه من عدم قبول الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة قد جاء مخالفاً لحكم القانون والدستور ويكون جديراً بالإلغاء .
السبب الثالث : مخالفة الحكم المطعون فيه لقواعد الاختصاص الولائي :
إذا كنا قد انتهينا إلى صحة الإعلانات الدستورية و شرعيتها من حيث الشكل والمضمون وأنها تأخذ حكم الدساتير في وقت لم يكن هناك دستور دائم للبلاد حتى يتمكن القائم على إدارة شئون البلاد من تسيير شئون الدولة والعمل على تحقيق أهداف الثورة والوقوف ضد كل من يحاول النيل منها فإن هذه الإعلانات الدستورية تخرج عن ولاية القضاء عموماً سواء في ذلك القضاء العادي أو الإداري أو الدستوري .
ذلك أن ولاية محكمة الاستئناف الخاصة بدعاوى رجال القضاء تنصب في جوهرها على الفصل في الدعاوى التي يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم .
أما كونها تتعرض في النزاع الماثل للإعلانات الدستورية و تكييفها لها فهذا يخرج عن ولايتها حتى ولو كانت قد صدرت هذه الإعلانات من رئيس الجمهورية ممثلاً للسلطة التنفيذية كما ذهب الحكم وإنما ينعقد هذا – على فرض جدلي – أن هناك عوار طال هذه الإعلانات من أي وجه – للمحكمة الدستورية العليا .
حيث جاء في أسباب حكمها الصادر في القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية دستورية بجلسة 14/6/2012 قولها " وحيث أن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى على سند من أن النصوص المطعون فيها تعد عملاً سياسياً وأن طلب الفصل في دستوريتها ينصب في جوهره على الفصل في دستورية نص المادة (83) من الإعلان الدستوري وذلك الدفع مردود بأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا طبقا لنص المادة (49) من الإعلان الدستوري وقانون المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تجد أساسها كأصل عام في مبدأ الشرعية وسيادة القانون و خضوع الدولة له ، إلا أنه يرد على هذا الأصل وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة استبعاد الأعمال السياسية في مجال هذه الرقابة القضائية تأسيساً على أن طبيعة هذه الأعمال تأبي أن تكون محلاً لدعوى قضائية و العبرة في تحديد التكييف القانوني لهذه الأعمال، هي بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعتها تتنافي وهذه الأوصاف ، ذلك أن استبعاد تلك الأعمال من ولاية القضاء الدستوري إنما يأتي تحقيقاً للاعتبارات السياسية التي تقتضي - بسبب طبيعة هذه الأعمال و اتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالا وثيقاً أو بسيادتها في الداخل أو الخارج - النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية . استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة و الذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا مما يقتضي منح الجهة القائمة بهذه الأعمال سواء كانت السلطة التشريعية أو التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته . دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه في هذا الصدد ، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات و ضوابط وموازين تقدير لا تتاح للقضاء ، فضلاً عن عدم ملاءمة طرح المسائل علناً في ساحاته. والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تحدد بالنظر إلى طبيعة المسائل التي تنظمها النصوص المطعون فيها ما إذا كانت تلك النصوص تعتبر من الأعمال السياسية فتخرج عن ولايتها بالرقابة القضائية على الدستورية أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها .
(يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية دستورية – جلسة 14/6/2012) .
ويستخلص من هذا أن الحكم المطعون عليه قد خرج عن ولايته في التصدي وبسط رقابته على الإعلان الدستوري الذي تضمن في ذلك الوقت القواعد الحاكمة لمنصب النائب العام و التي استند إليه القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 محل النزاع .
وهو ما سارت عليه محكمة النقض المصرية . والمحكمة الإدارية العليا وحسناً فعلت محكمة جنح مستأنف شمال القاهرة في الجنحة رقم 6897 لسنة 2012 جنح مستأنف شمال القاهرة . والمقيدة برقم 12299 لسنة 2012 جنح الأزبكية عندما تعرضت للإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012 محل المنازعة فقررت أن الإعلان الدستوري هو الأداة القانونية التي تخول للسلطة القائمة إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية ريثما يتم إقرار دستور دائم لها . ومناط ثبوت الحق لتلك السلطة في إصدار إعلانات دستورية هو استمرار المرحلة الانتقالية وعدم صدور دستور دائم . ولا يغير من هذا الوصف طريقة تعيين تلك السلطة التي تقوم على شئون الدولة في المرحلة الانتقالية سواء كانت سلطة واقع أو جرى انتخابها بآلية ديمقراطية .
واستطرد الحكم المشار إليه قائلاً لما كان ذلك وكان الثابت أن ما أصدره السيد رئيس الجمهورية من إعلان دستوري بتاريخ 21/11/2012 قد صدر عنه خلال المرحلة الانتقالية وقبل إقرار دستور دائم للبلاد باعتباره رأس السلطة التنفيذية وقمتها وبوصفها سلطة حكم وليست سلطة إدارة وتدخل في نطاق وظيفته السياسية سلطة إصدار إعلانات دستورية كرئيس للدولة المصرية المنتخب رائده في ذلك المصلحة العليا للبلاد و السهر على رعاية أمنها وسلامتها من الداخل والخارج وهو الرئيس الشرعي المنتخب بإرادة حرة من الشعب و التي سبق منحها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى يستكمل بها تحقيق أهداف الثورة وحتى إقرار دستور دائم للبلاد بما يستلزم عدم ملاءمة طرح تلك المسائل علناً في ساحات القضاء وهو بذلك يعد عملاً من أعمال السيادة التي تخرج عن الاختصاص الولائي لمحاكم الدولة على اختلاف درجاتها وأنواعها ومن ثم فإن الإعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الدولة صدرت ممن يملك إصدارها قانوناً ويكون الطعن عليها في غير محله .
وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أهدر كل قيمة لهذين الإعلانين وللآثار التي ترتبت عليهما فإنه بذلك يكون قد تعرض للإعلان الدستوري وهو ما يخرج عن الاختصاص الولائي للمحاكم عموماً حسبما استقر قانوناً وفقهاً وقضاءً وفقا لما أسلفناه آنفا .
ثانياً : الفساد في الاستدلال :
أورد الحكم المطعون فيه أنه من المقرر أن استقلال القضاء من المبادئ الأساسية التي تنهض بمقتضاها منظومة حقوق الإنسان وحرياته في المجتمع ويستقيم في ظلها مبدأ الفصل بين السلطات والذي تقوم عليه بشكل حتمي أنظمة الحكم الديمقراطي ودولة سيادة القانون و الحكم الرشيد .
وأنه من الأركان الأساسية لهذا المبدأ استقلال القضاء بميزانيته واستقلال القضاة في عملهم بعدم قابليتهم للعزل حسبما نص قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 في المادة (67) منه بقوله " إن رجال القضاء والنيابة العامة – عدا معاوني النيابة – غير قابلين للعزل " .
وأن الفقرة الثانية من المادة (119) من قانون السلطة القضائية قررت أن " للنائب العام أن يطلب عودته للعمل بالقضاء و تحدد أقدميته في هذه الحالة وفقا لما كانت عليه أبان تعيينه مع الاحتفاظ بصفة شخصية بمرتباته و بدلاته .
وهذا الذي ذهب إليه الحكم يعد فساداً في الاستدلال و استشهاداً في غير محله حيث أن مفهوم العزل الذي ورد بالمادة (67) من قانون السلطة القضائية إنما يعنى المباعدة بين رجل القضاء أو عضو النيابة وبين الوظيفة القضائية عموماً بانفصاله عن الوظيفة القضائية تماماً وفصل عراها وهو الأمر الذي لا يتوافر في شأن نقل السيد المستشار النائب العام من وظيفته كنائب عام و عودته إلى منصة القضاء فإن سيادته لا يزال يتربع على قمة الوظيفة القضائية التي طلبها سيادته ولا يدخل في مفهوم العزل بمعناه المحظور التنقل الدائم بين القضاء والنيابة العامة سيما وأن عملية التبادل تتم بشكل دوري ودائم منذ بداية السلم القضائي وليس هناك ما يحول دون إجرائها بمنصب النائب العام وأن تقلده الوظيفة القضائية والعمل بالقضاء لهو أشرف رسالة على مر التاريخ طالما أن سيادته يحتفظ بأقدميته ودرجته الوظيفية ولا يمثل ذلك تقليلاً من شأن من تم نقله إليها أو نيلاً من كرامته .
فضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه قد تصدى لمسألة تخرج عن اختصاصه حين تصدى لتفسير النص الدستوري بقوله " إن النص بالدستور الجديد على الإبقاء على الآثار الناشئة عن الإعلانات الدستورية السابق صدورها والتي أٌلغيت بموجب الدستور ينسحب فقط على نحو ما انتهت إليه المحكمة بقضائها المتقدم – على تلك الآثار التي صادفت صحيح الدستور والقانون ولم تنلها ثمة طعون قضائية يقضي فيها لعوار دستوري شابها أو لبطلان قانوني لحقها وقت صدورها
فضلا عن أنه: من غير الجائز أن يكون هذا النص مستهدفاً إضفاء المشروعية علي ما يخالف الدستور ذاته أو الإبقاء علي أثار نصوص تم إلغاؤها قبل العمل بالدستور الجديد لما شابها من مخالفات للمبادئ فوق الدستورية وما اشتملت عليه من مساس باستقلال القضاء وحصانته
وخلصت المحكمة من هذا القول إلي أن القرار المطعون فيه يكون مفتقداً لثمة سند دستوري أو قانوني وقت صدوره
وهذا التفسير الذي ذهبت إليه المحكمة لنص المادة (236) من الدستور يخرج عن ولايتها ، بل إنه يخرج عن ولاية المحكمة الدستورية ذاتها حيث لا يجوز لها التصدي لتفسير نص دستوري
ومن ثم لا يجوز من باب أولي للمحاكم العادية التصدي لذلك
يؤيد ذلك : ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا بأن :
المادة ( 26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والمعمول به اعتبارا من 21 سبتمبر 1979 علي أن :- " تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور
ومؤدي ذلك أن ولاية هذه المحكمة لا تمتد إلي تفسير نصوص الدستور الذي يصدر من أي من هاتين السلطتين وإنما أعلنته وقبلته ومنحته لأنفسها جماهير شعب مصر طبقا لما جاء في وثيقة إعلانه ، وهو ما يتعين معه عدم قبول الطلب
[ يراجع في ذلك الطلب رقم 1 لسنة 1 ق – تفسير بجلسة 1/3/1980 ج 1 دستورية ص 209 مشار إليه في مجموعة المبادئ سالفة الذكر ص 1060
ومما تجدر الإشارة إليه أن ما تضمنته المادة (236) من الدستور من" إبقاء نافذا ما ترتب عليه الإعلانات الدستورية من أثار في الفترة السابقة " أصبح جزءاً من الدستور ونصا من نصوصه حيث تم استفتاء الشعب عليه ومن ثم لا يجوز تهميشه أو تحوير مقاصده
فضلا ذلك فإن هذا النص ليس بدعاً من النصوص الدستورية فقد أدرج مثله في دستور 1971 ، وكذلك في كافة الدساتير المصرية السابقة عليه
وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا :-
أن الأصل في النصوص الدستورية أنه تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو التعارض ، هذا بالإضافة إلي أن هذه النصوص إنما تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالا لا يعزلها عن بعضها البعض وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي وإنما يتعين دوماً أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلي حقبة ماضية ، وإنما تمثل القواعد التي يقوم عليها والتي صاغتها الإرادة الشعبية انطلاقه إلي تغيير لا يصد عن التطور أفاقة الرحبة "
[ يراجع في ذلك القضية رقم 37/9ق 0 دستورية – جلسة 19/5/1990 ج 4 دستورية ص 256 – والقضية رقم 51 لسنة 24 ق0 دستورية – جلسة 8/5/2005 ج 11/1 دستورية ص 1775 مشار إليهما في مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة العليا والدستورية السابق الإشارة إليها ص482
يستخلص مما تقدم أن المحكمة خرجت عن ولايتها في هذا القضاء وتصدت إلي ما هو ليس من اختصاصها حينما تعرضت للإعلانين الدستوريين محل المنازعة وهدمت كل قيمة دستورية وقانونية لهما وللآثار المترتبة عليهما ، كما هدمت كل قيمة لنصوص الدستور الجديد ذاته وانتهت إلي إلغاء القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 فيما تضمنه من تعيين السيد المستشار/ طلعت إبراهيم محمد عبد الله نائبا عاما مع ما يترتب علي ذلك من أثار
وهذا الذي انتهت إليه المحكمة بحكمها المطعون فيه قد جاء مخالفاً لكل القواعد الدستورية والقانونية إذ أن قانون السلطة القضائية القائم قد خول في المادة (119) منه قبل تعديلها بالإعلان الدستوري المشار إليه رئيس الجمهورية وحده دون غيره تعيين النائب العام بغير قيد أو شرط أو بناء علي موافقة من مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو قضاة محكمة النقض أو المحامين العامين الأول
ثم عدلت هذه المادة بموجب الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012 ثم صدر القرار الجمهوري رقم 386 /2012 بتاريخ 22/11/2012 بتعين السيد المستشار/ طلعت إبراهيم محمد عبد الله – نائب رئيس محكمة النقض - نائبا عاما لمدة أربع سنوات مستوفيا لأركانه وشروطه الشكلية والموضوعية المنصوص عليها بقانون السلطة القضائية
ويكون ما قضي به الحكم المطعون فيه من إلغاء القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 مع ما يترتب علي ذلك من أثار وأخصها عودة السيد المستشار المطعون ضده إلي عمله كنائب عام – قد جاء مخالفا ومصطدما مع النصوص الدستورية التي تمثل جزءاً من الدستور المصري الذي وافق عليه الشعب المصري باعتباره مصدر السلطات ، بل نجد أن المحكمة الدستورية ذاتها قد قضت في حكمها السابق الإشارة إليه رقم 20 لسنة 34 قضائية دستورية بجلسة 14/6/2012 قد بسطت رقابتها على تقييد المواد الواردة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 و بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 وبالمرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 لبيان مدى مطابقتها أو مخالفتها للإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 وعندما تبين لها مخالفتها لهذا الإعلان قضت بعدم دستوريتها وترتب على ذلك حل مجلس الشعب السابق .
ومن ثم فإن المحكمة الدستورية العليا بهذا القضاء قد اعتدت بالإعلانات الدستورية الصادرة في هذا الشأن وأكدت شرعيتها ودستوريتها وما كان لمحكمة استئناف القاهرة أن تخوض في مناقشة الإعلانين الدستوريين المطروحين عليها إذ لا اختصاص لها بهذا الشأن ، ومن ثم فقد اغتصبت حقا ليس لها واعتدت على اختصاص سلطة أخرى .
ومن ثم كان يتعين على الحكم المطعون عليه أن يبسط رقابته فقط على القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 سالف الذكر في حدود مدى توافقه أو مخالفته للإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21/11/2012 إلا أنه أطلق رقابته بلا حدود أو ضوابط تقضي ببطلان هذا وذاك ، الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفا لكل القواعد الدستورية والقانونية وما استقر عليه الفقه والقضاء و الدستور والقانون في هذا الشأن مما يكون جديرا بالإلغاء
ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكم الطعين قد تم الطعن عليه بالطعون أرقام 455 ، 491 ، 514 ، 517 لسنة 83 ق بالإضافة للطعن الماثل الأمر الذي يتعين معه ضم هذه الطعون لوحدة الخصوم والسبب والموضوع ليصدر فيها حكم واحد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.