مررت خلال حياتى العملية كمؤلف وسيناريست بصدامات عنيفة مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وكذلك مع أجهزة الرقابة التابعة للتليفزيون المصرى.. ومن تلك الصدامات العنيفة صدام فيلم «جواز بقرار جمهورى»، ثم صدام مسرحية «بلاد فى المزاد» التى ظلت حبيسة دهاليز الرقابة لفترة طويلة، ولم يتم التصريح بعرضها إلا عبر لجنة تظلمات قبيل ثورة 25 يناير 2011، ثم كان الصدام مع الرقابة على التليفزيون المصرى فى مسلسلات «لدواعى أمنية» و«للثروة حسابات أخرى» واحتدم الصراع فى مسلسل «قضية رأى عام».. ولا أنكر أن هذه الصدامات كانت ممتعة؛ لأنى كنت أستمتع بتكسير تلك القيود والأصفاد المكبلة بها يدى كمبدع . وبعد ثورة 25 يناير 2011 استبشرت خيراً، فقد قهر الشعب المصرى حاجز الخوف، ولا بد أن تكون هناك مرحلة جديدة ستشهد ولو بعضاً من حرية التعبير وحرية الإبداع. ولقد ألهمنى توافد رموز نظام مبارك على سجن مزرعة طرة وكذلك أبناؤه، وكذلك كونه بعد أن كان رئيساً تجرى من تحته أنهار مصر أصبح مجرد محبوس على ذمة تحقيقات النيابة فى مستشفى شرم الشيخ، وكونهم كانوا ملء السمع والبصر، وكانوا يعيشون حياة الأباطرة بما كانوا يملكون من ثروات ونفوذ وسلطات، وقد أصبحوا عبارة عن مساجين فى سجن مزرعة طرة، ألهمنى هذا الحدث النادر حدوثه فى بلادنا دراما تليفزيونية تحت عنوان «المزرعة»، تعتمد الحلقات على كوميديا الموقف فى عرض من خيال المؤلف لكيفية حياة هؤلاء داخل زنازين المزرعة، ويتخلل أو يتسلل من خلال تلك المواقف الكوميدية تسليط الضوء على كم الفساد الذى كان متوغلاً فى أركان النظام السابق. وصراحة لم أكن أتوقع ولا أتخيل أن يحدث أى نوع من أنواع الصدام بينى وبين جهاز الرقابة على المصنفات الفنية الذى تقدمت له بحلقات المسلسل فى 23 يونيو 2011، إلا أن المسئول عن الجهاز أخبرنى بعدها بشهرين أو ثلاثة وبعد مماطلة فى إعطائى الموافقة رفض الرقابة للمسلسل لما يتضمنه من ألفاظ خارجة وطرحه لقضايا لم يبت فيها القضاء، وإشارته إلى أسماء شخصيات بعينها كانوا مسئولين سابقين ثم أصبحوا نزلاء المزرعة وهذا ما يتنافى مع الحقيقة، إذ كانت الأسماء بالمسلسل افتراضية، والحلقات ليس بها لفظ خارج، وكذلك ليس مطروحاً فى دراما المسلسل أى قضية قيد التحقيق أو التقاضى. ودارت معركة طاحنة بينى وبين الرقابة التى يترأسها «بلا أمارة» الدكتور سيد خطاب، فسيادته يرى أن النظام السابق الذى أتى به رئيساً للرقابة بدون سبب منطقى اللهم إلا تقييد حرية الإبداع فى خطة التوريث، يرى سيادته أن النظام السابق ورموزه فوق المساءلة التاريخية، وهناك خطوط حمراء لا يجوز للمبدع تجاوزها عند تناوله لتلك الحقبة، بل ويرى سيادته أنه ليس من حق أى مبدع تناول رموز حكم مبارك فى أى عمل فنى إلا بعد أن يحكم التاريخ على تلك الحقبة، بعد عمر طويل. وقد كان من سيئ الخطاب للدكتور المبدع سيد خطاب أنه أبلغنى وصرح للصحف بأنه فى سبيله لتحويل المسلسل للجنة الفتوى بمجلس الدولة، وهى سابقة لم تحدث فى تاريخ الرقابة، ولا أعرف كيف تفتق ذهنه العبقرى عن هذا الحل اللوزعى؟ وبعدما ضاق صدرى وبعد أن ارتبت فى أمر الرجل ذهبت شاكياً للسيد وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب الذى أصابه الذهول والاستنكار من موقف رئيس الرقابة وأعطاه تعليماته فى اتصال هاتفى بإجازة المسلسل إعمالاً لمبدأ حرية الإبداع. وقد ماطل كثيراً الدكتور سيد خطاب فى تنفيذ تعليمات الوزير، حتى اشتكيته مرة أخرى للوزير الذى أحال أمر المسلسل إلى الناقد الكبير ورئيس الرقابة السابق على أبوشادى، الذى أجاز المسلسل بعد قراءته بلا ملحوظة رقابية واحدة، الذى أوصى بالموافقة على المسلسل.. وما زال المسلسل رهينة عند الدكتور سيد خطاب الذى ما زال يرفض باستماته إجازته والتصريح بتصويره؛ بدعوى أنه يسىء لنظم حكم سابق!!! وللحديث بقية عن سيئ الخطاب والدكتور سيد خطاب وتاريخه الإبداعى والنقدى، الذى أتى به إلى هذا المنصب الحساس بدون أمارة.. والحديث عن ارتيابى فى ملابسات المماطلة فى التصريح بتصوير المسلسل عن قصد وعمد وسبق إصرار وترصد.. الأسبوع المقبل بإذن الله.