قاربت السنة الأولى من الفترة الرئاسية الأولى ل«الرئيس المنتخب» أن تكتمل. وبغض النظر عن أن أهداف المائة يوم الأولى للرئيس لم تتحقق، وأن المشكلات التى وعد الشعب بحلها فى تلك الفترة لا تزال متراكمة ومتصاعدة يعانى الشعب آثارها، فإن الموقف يقتضى مراجعة ما تحقق خلال السنة التى قاربت على النهاية حتى نتبين حقيقة الأمر ونصل إلى تقييم حقيقى لكفاءة الحكم بعد الثورة. فى البداية، نعود إلى تصريحات الدكتور مرسى أثناء فترة الانتخابات الرئاسية والوعود التى أسرف فى ذكرها لتأكيد أفضليته على منافسيه، والتى ركزت فى الأساس على الالتزام بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير والانتصار لحقوق شهدائها ومصابيها. وكانت تصريحات الدكتور مرسى تؤكد أنه يتعهد بعد توليه الرئاسة بضمان حرية الإعلام وألا يقصف قلم أو يمنع رأى أو تغلق قناة أو صحيفة، ولكن بعد وصوله إلى قصر الاتحادية تم إيقاف بث قنوات فضائية، وتمت إقالة رئيس تحرير جريدة قومية دون إجراء تحقيق معه، وجرى تغيير جميع رؤساء مجالس الإدارة ومجالس تحرير الصحف القومية من عناصر محسوبة على تيار وحيد هو جماعة الإخوان المسلمين! وشهدت «سنة أولى.. رئاسة» حملة ضارية على الإعلام المستقل وملاحقة الإعلاميين المعارضين للحكم الجديد بالاتهامات والبلاغات إلى النائب العام شاركت فيها مؤسسة الرئاسة ذاتها، وعقب الضجة العالمية التى أثارها «ضبط وإحضار» باسم يوسف اضطرت الرئاسة لسحب البلاغات التى كانت قد قدمتها ضد صحفيين. وقبل توليه منصب الرئيس، أكد المرشح الدكتور مرسى أن بابه سيكون مفتوحا دائما، كما أنه لا يحتاج لأى حراسة، وبعد أن أصبح رئيسا غلّقت الأبواب فى وجوه أصحاب المظالم والشكاوى، وأصبحت لقاءات «الرئيس المنتخب» مع معارضيه نادرة، والأهم هو أنه لا يستجيب لآرائهم ولا يقبل مقترحاتهم فى سبيل حل أزمات الوطن التى عجز، وما زال، عن إيجاد حلول لها! كما لم يختلف موكبه الرئاسى عن موكب «مبارك» فى فترة حكمه، وزادت معاناة المصلين الذين يوجدون فى مساجد يختارها لأداء الصلاة فيها أيام الجمع أو الأعياد. وفى إطار الدعاية الانتخابية، طالب الدكتور مرسى الشعب بالثورة ضده إذا خالف القانون قائلاً: «الشعب صاحى وواعى وعارفين أن الذى لم يحترم الدستور والقانون سيثور ضده، وأنا عاوز الشعب يثور ضدى إذا لم أحترم الدستور والقانون». لكنه لم يلتزم بوعده بعد توليه الرئاسة، قائلاً إنه خالف القانون لكى يحمى الثورة!! كما أصدر إعلانات سميت «دستورية» جمع فيها كل السلطات فى يديه وحصّن قراراته وغل يد القضاء عن نظر أى طعون تقدم ضدها! وتابع نظام «الرئيس المنتخب» الهجوم على القضاء والشرعية بإصدار قرار جمهورى يناقض حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض مواد فى قانون انتخابات مجلس الشعب الذى تمت انتخابات المجلس وفقاً له، بما ترتب عليه صدور قرار المشير طنطاوى بحل المجلس، وكان قرار «الرئيس المنتخب» يدعو المجلس المنحل إلى الانعقاد، واضطر بعد أيام إلى إلغائه بناء على حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته ونتيجة للثورة العارمة لقوى المعارضة الوطنية ضده. كما شهدت «سنة أولى.. رئاسة» محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها من تيار الإسلام السياسى ومنع قضاتها من عقد جلساتها وتعويق إصدار الحكم فى شأن دستورية قانون الجمعية التأسيسية للدستور، كما شهدت السنة الأولى لرئاسة الدكتور مرسى وفى أعقاب الإعلان الدستورى الذى أصدره «الرئيس المنتخب» فى 21 نوفمبر 2012 إقالة النائب العام الشرعى وتعيين نائب عام بغير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية والدستور الذى لم يكن قد مضى على إصداره سوى أيام! كما شهدت «سنة أولى.. رئاسة» رفض رئيس الوزراء تنفيذ حكم قضائى خاص بإعادة شركة قطاع أعمال عام إلى الملكية العامة فحكم عليه بالسجن سنة والعزل! كما شهدت مصر الهجوم المتواصل على القضاء ومحاولة تمرير تعديلات لقانون السلطة القضائية يتم بمقتضاها تخفيض سن إحالة القضاة إلى التقاعد بما يؤدى إلى خروج ما يقارب 3500 قاض من الخدمة، كل ذلك مع رفض القضاة وناديهم لذلك القانون. ثم كانت الهجمة على الأزهر الشريف باستثمار حادثة تسمم بعض طلاب المدينة الجامعية بجامعة الأزهر وتنظيم مظاهرات حاشدة لإلقاء اللوم على شيخ الأزهر ودفعه للاستقالة! وشهدت «سنة أولى.. رئاسة» مخالفة «الرئيس المنتخب» لاتفاقه مع القوى الوطنية المدنية التى ساندته فى الانتخابات الرئاسية فى مرحلة الإعادة والمعروف ب«اتفاق فيرمونت» وكان ينص على «تأكيد الشراكة الوطنية والمشروع الوطنى الجامع الذى يعبر عن أهداف الثورة وعن جميع أطياف ومكونات المجتمع المصرى، ويمثل فيها المرأة والأقباط والشباب»، وعلى النقيض أمعن الحكم الجديد فى تنفيذ سياسة «التمكين» و«الأخونة» التى تشمل كل مؤسسات الدولة وأصبحت الشراكة الوطنية فى حكم العدم. وبدلاً مما نص عليه الاتفاق من أن «يضم الفريق الرئاسى وحكومة الإنقاذ الوطنى جميع التيارات الوطنية، ويكون رئيس هذه الحكومة شخصية وطنية مستقلة»، جاء «الرئيس المنتخب» بحكومة هزيلة يترأسها د. هشام قنديل وهو لا تتوافر فيه الصفات والقدرات التى تصورها من وقفوا إلى جانب المرشح الدكتور مرسى وناصروه حتى وصل إلى الرئاسة، ثم أخلف الوعد! كما نص الاتفاق على «تكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزا وطنية للتعامل مع الوضع الحالى وضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفريقه الرئاسى وحكومته بشكل كامل»، لكن كلنا يعلم أن هذا النص قد تم تعطيله بعدم استشارتهم فى أمور الحكم وتجاهُل أعضائه بغض النظر عن كفاءتهم، الأمر الذى انتهى بأكثرهم إلى الاستقالة بعد شهور قليلة. ورغماً عن تساهل أعضاء «اتفاق فيرمونت» بقبولهم النص على «رفض الإعلان الدستورى المكمل الذى يؤسس لدولة عسكرية ويسلب الرئيس صلاحياته ويستحوذ على السلطة التشريعية، ورفض القرار الذى اتخذه المجلس العسكرى بحل البرلمان الممثل للإرادة الشعبية، وكذلك رفض قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطنى» فقد فعل «الرئيس المنتخب» نفس ما أكد الاتفاق رفضه بأن أصدر إعلاناً دستورياً جمع فيه بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وحصّن قراراته السابقة واللاحقة!! وعلى أمل أن يكون تأييدهم للمرشح الرئاسى د. محمد مرسى بادرة انفراج لأزمة الجمعية التأسيسية كانوا حريصين على أن ينص الاتفاق على التزامه ب«السعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين»، لكن «الرئيس المنتخب» سارع بإصدار القانون 97 لسنة 2012 الذى لم يحقق التوازن المطلوب فى تشكيل الجمعية وكرس هيمنة جماعة الإخوان ومشايعيهم وحلفائهم من حزب النور على جمعية إعداد دستور «الثورة» ثم زاد على ذلك بتحصين تشكيل الجمعية التأسيسية فى إعلان نوفمبر «غير الدستورى» ثم فى دستور 2012 ذاته. وجاء فى «اتفاق فيرمونت» الشهير أن يتعهد د. مرسى، بعد توليه الرئاسة، ب«الشفافية والوضوح مع الشعب فى كل ما يستجد من متغيرات تشهدها الساحة السياسية»، لكن سياسة التعتيم هى التى سادت فى «سنة أولى.. رئاسة»، وأصبح الناس الذين انتخبوا د. مرسى فى حيرة من أمرهم حول ما إذا كانت سياسات وقرارات الرئيس تصدر من «الاتحادية» أم من «المقطم».. ولنا عودة، وإلى حين ذلك، لك الله يا مصر!