يعجبنى الهتاف الشهير الذى قام الإخوان المسلمون بصكه، وأصبح ماركة مسجلة باسمهم، لا سيما وأنت تشاهد كلاً منهم (يحزق) وهو يهتف فى المظاهرات التى نزل إليها -فقط- لأن مكتب الإرشاد أمر بها وليس لأى شىء آخر. يقول الهتاف: «ع القدس.. رايحين.. شهداء بالملايين».. «ع القدس.. رايحين.. شهداء بالملايين».. مع ثنى الركبتين والمزيد من (الحزق) وصوت أكثر جهورية.. «ع القدس.. رايحين.. شهداء بالملايين». عندى فقط عدة ملاحظات على الهتاف أتمنى أن يتسع لها صدر السادة (الهتيفة). * أولاً: (ع القدس).. التصوير يوحى بأن القدس أقرب من أول فيصل، وأن أحدهم سيشير لتوك توك ويقول له: ع القدس. وطبعاً قد يقول له السائق: قبل الفحت والا بعد الفحت؟؟.. أو سيخبره بأنه (مابيخشش شوارع مكسرة). وربما يؤكد له أن المنطقة هناك (فيها لبش يا باشا). * وثانياً: (رايحين).. والسؤال هو: مَن بالضبط هؤلاء الذين (رايحين)؟؟ مَن الذاهبون إلى القدس لتحريرها؟؟ هل هم هؤلاء الهتيفة؟؟ أم أنهم مجرد موتوسيكلات فى موكب كبير يسبق المنقذ/المخلِّص الذى لم يظهر بعد ويحتاج فقط ل(فرشة) قبل ذهابه؟؟ ثم يأتى السؤال الأهم من وجهة نظرى: ع القدس رايحين شهداء بالملايين.. رايحين إمتى بقى حضرتك؟؟ هل تنتظرون يوماً معيناً يوافق إجازة أو عطلة رسمية مثلاً.. أم رايحين الجمعة بعد الصلاة.. أم ستقفون فى الميدان -أى ميدان- حتى يتم تحميل الميكروباص أو التوك توك الذاهب إلى القدس؟؟. هذه أسئلة مهمة لا يجب الاستهانة بها أبداً بالمناسبة. أما ثالثاً: (شهداء بالملايين).. هؤلاء قوم استعانوا ع الشقا بالله، وحددوا أنهم سيذهبون بالملايين للشهادة.. يعنى صباح القدرة على الحشد، وصباح أسطول الأوتوبيسات والتكاتك الذى سيتكفل بنقلهم، ولو أنهم أذكياء يجب أن يطلبوا من إحدى الوكالات الإعلانية تصوير وتسويق عملية إنزالهم فى القدس لأنها ستأتى بإعلانات كثيرة، يمكن أن تدر دخلاً أعظم وأكبر يفيد القضية الفلسطينية بأكملها، ويقوّى من موقف التفاوض مع إسرائيل، لنلعب بكارت جديد، استخدمه الإسرائيليون قديماً مع الفلسطينيين ونجحوا، ويجب أن نستخدمه نحن الآن، فبعد أن تجرى الفلوس بين أيدينا ندخل المفاوضات ونضع أعيننا فى عينى أى إسرائيلى وغد حقير ونحن نقول له بصوت يجعل الدماء ترتجف فى عروقه: تاخد كام وتسيب القدس يا كلب؟؟ وطبعاً كلنا نعرف حب الإسرائيليين للمال الذى سيعاونهم فى إجراء عمليات التجميل لأنوفهم التى تظهر فى أعمالنا الدرامية وهى مشروع (زلومة فيل)، مع قدر لا بأس به من (الخنفان). أعرف والله العظيم أن كثيراً ممن يقرأون الآن سيعتبروننى (أستظرف) و(أزايد) على ناس تعمل من أجل القضية.. لكن عندى تعريفات أخرى للمزايدة أتمنى أن تفكروا بها. * فالمزايدة هى أن تطالب بفتح باب الجهاد أيام مبارك، وتعتبره خائناً للقضية الفلسطينية، ثم حينما تحكم تبتلع لسانك لأن هذه هى الأوامر. * المزايدة: هى أن تشعل شرارة التظاهرات من أجل فلسطين فى جامعات مصر كلها، ثم الآن تقوم بذلك على استحياء فى الجامع الأزهر لأن هذه هى الأوامر. * المزايدة أحياناً يمكن أن تكون مرادفاً للعار، وأى عار بعد أن تختصر فلسطين فى غزة التى حكمها، واستقل بها رفاقك فى التيار الإسلامى الشهير بحماس، وتنزع عن الآخرين من سلطة وحركات مقاومة ليست على هواك، أو تجلس على طاولة المفاوضات، أى صفة للوطنية، وتعتبرهم خونة وعملاء؟ * المزايدة أحياناً يمكن أن تكون مرادفاً للكذب والجبن فى آن واحد حين تصف الإسرائيليين بأنهم أحفاد القردة والخنازير قبل الحكم، ثم بعد الحكم تعتبر رئيسها صديقك العظيم الوفى، وتقول إن كلمة القردة والخنازير تم اجتزاؤها وإخراجها من سياقها. * المزايدة أن تتهم الجميع بأنهم أقل منك فى الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فى الوقت الذى صرح فيه رئيسك المدنى المنتخب لصحيفة كندية، بأن هيلارى كلينتون جلست فى مقر حكمه ثلاث ساعات كاملة لتتابع ما ستفعله من جهود لوقف إطلاق النار وإبرام اتفاق بين إسرائيل وحماس، وكأن الأمر لا يأتى إلا بإشراف أمريكى مباشر أنت تعلم أنه يراعى إسرائيل وأمنها أولاً وأخيراً. * المزايدة يا عزيزى هى أن تهتف من أجل فلسطين، وتكتفى بالهتاف، رغم كونك تحكم، وقادراً على الذهاب للجهاد الذى كنت تطالب به، وقادراً على عبور الحدود بعد فتح المعابر أو من خلال الأنفاق التى تدعم وجودها مهما قيل لك عن خطرها على الأمن القومى لمصر. * المزايدة هى أن تقول: ع القدس.. رايحين.. شهداء بالملايين، ولا تذهب لا أنت ولا حتى خَمَس أنفار من جماعتك لحفظ ماء الوجه. المسجد الأقصى جاهز لتحريره، لكن يبدو أنك لا تعرف عنوانه، وتتعامل معنا بنظرية أن المسجد الأقصى (جنب بتاع العصير).. بس هو أنهى بتاع عصير بالظبط؟؟!!!!!