لا أحبذ الكتابة عن أشخاص، لكنى عندما أكتب عن محمد بركات لاعب النادى الأهلى، لا أعتبر نفسى أكتب عن فرد، لكن عن ظاهرة تستحق الرصد والفهم والدراسة لنستخلص النتائج المتوقعة، فلا حديث الآن بين جماهير الكرة وبعضها إلا عن مصير محمد بركات مع فريقه، والسؤال الذى يسيطر على عشاقه: هل اتخذ اللاعب قراره الصعب وسيعلن اعتزاله أم أنه سيستمر مع الفريق ليكمل مشوار عطائه الكبير والناجح مع الأهلى؟ الإجابة واضحة ومتجلية فى ظاهرة بركات الذى بدأ لاعباً فى صفوف أشبال السكة الحديد وذاع صيته ليكون أفضل ناشئ فى الكرة المصرية ليتهافت عليه الأهلى والزمالك وعمره 15 عاماً، وتأتى الإصابة لتبعده كثيراً عن الملاعب ثم يعود للتألق وينتقل للإسماعيلى ويلعب مع الدراويش ويكون اللاعب الإضافة ليحصل معهم على بطولة الكأس والدورى خلال فترة وجوده من عام 99 إلى 2002 وبعدها يخوض اللاعب الظاهرة تجربة الاحتراف ويلعب للأهلى السعودى ويتألق موسم 2002/2003 ويصل مع أهلى جدة لنهائى الدورى السعودى وينجح فى تحقيق كأس الأندية العربية أمام الأفريقى التونسى فى يناير 2002 لينتقل سريعاً إلى الدورى القطرى وتحديداً فى موسم2003/2004 وإلى العربى القطرى ليلعب بجوار باتيستوتا لكن الإصابة حرمت «عصفور الكاناريا» من التحليق فى الدورى القطرى ليعود ليبدأ صفحة إنجازات خاصة مع الأهلى بداية موسم2004/2005. ومع الأهلى لمع بركات الظاهرة الكروية المصرية بموهبته التى أبهرت الجميع ولاقت استحسان الجماهير من مختلف الألوان ليكون الأشهر بين اللاعبين بخلقه وأدائه الفنى وخفة ظله المرحة فإذا كان لكل لاعب ميزة، فبركات لاعب جمع كل مميزات اللاعبين بل تفوق عليهم جميعاً، لم يدخل فى مشكلة على مدار تاريخه ولم يخرج عن نص الآداب العامة، وكان، وما زال، مصدر الابتسامة من خلال روحه المرحة، العصفور الذى طار وصال وجال وغرد وأمتع، أمام أصعب قرارات حياته، وهو عاجز عن اتخاذ القرار، فبركات الذى أعلن اعتزاله اللعب الدولى بشجاعة ولم يتراجع عن قراره فى ظل تماسك المدربين بعودته، كان قادراً على أن يتحكم فى نفسه ويتمسك بقراره ويرفض التنازل عن قراره باعتزال اللعب الدولى ليؤكد قدرته على اتخاذ قرار مناسب قى توقيت مناسب. بركات اعتزل اللعب محلياً بعد مذبحة بورسعيد ومشهد الدماء القاسى على جثث شهداء الأهلى، القرار من هول الصدمة كان رد فعل طبيعياً من لاعب يشعر بمن حوله، ولكنه عاد عن قراره بحب الجماهير، عاد العصفور ليغرد وتراجع عن قراره، وها هو الآن يبحث عن قراره الصعب، يخشى من المستقبل. بركات الذى لعب أساسياً على مدار حياته لن يستطيع أن يجد نفسه على مقاعد البدلاء، ليس تكبراً لكن احتراماً لنفسه ولتاريخه، فهو حال العصفور الحبيس داخل القفص، وهو ما يرفضه ملك الحركات، فهو يعلم أن القادم ليس أفضل، ولكنه يأمل فى أن يواصل الطيران والتحليق كعصفور طائر بين الملاعب ووسط الجماهير، فما أصعب القرار لكنه اقترب، فشعورى أن هذا اللاعب الذى حقق كل شىء غير قادر على الخروج من الملعب، لكنه الوقت المناسب، لأنه أفضل لاعب فى الفريق لحظة كتابة المقال، فاللاعب المصرى لا يجيد ثقافة الاعتزال، ولكن بركات يخشى أن يقال عنه إنه هرب فى هذا التوقيت وفضل الاعتزال، وأنا أقول له إن الجماهير تعرف قدرك وعطاءك، فلا تخش أحداً واعرف أنك لا تستطيع أن تفارق الملعب لأنك تعشق العشب الأخضر ولا تستطيع أن ترى نفسك على مقاعد البدلاء، وأنت ملك الحركات، يكفيك إذا اتخذت قرارك بالاعتزال، رفض عشاقك له، وسيضغطون عليك لإثنائك عن قرارك وهو أفضل من أن تدعو لك الجماهير بالرحيل، مثلما دعت لآخرين، بركات أنت أفضل لاعب فى مصر، ومن الصعب علينا أن تتركنا وتعتزل مثلما هو صعب عليك أن تتخذ القرار، لكن الجميع يعلم قدرك وتضحياتك وليعلم الجميع أنك لم تشترط أى شىء على الأهلى للتجديد ولا برامج ولا خلافه، ولكنك تفكر فى الرحيل، وأطالبك من أجل الكرة المصرية والمواهب التى تتعلم منك، بإرجاء اتخاذ القرار حتى نهاية الموسم، وأنا أعلم قرارك ولكنك سترسى مبدأ جديداً، وهو الاعتزال وقت القوة وليس وقت الضعف، الاعتزال والجهاز الفنى والجماهير تتمسك بك والعروض الاحترافية تنهال عليك، حقاً إنها المعادلة الصعبة واللغز الأصعب الذى لا يمتلك حل طلاسمه إلا أنت، فلْيُعنك الله على التحدى الجديد، ولْيُعنّا على غيابك إذا ما قررت الاعتزال.