عبرت المقالة المهمة التى كتبها الصديق الدكتور محمد شومان السبت الماضى دون أن يتوقف أمامها أحد أو يناقش ما ورد فيها حول مذبحة الصحافة التى جرت وتجرى بهدوء مكين. لم يتصد لها أحد لأسباب عديدة أهمها ضعف الصحفيين أفراداً وجماعات وفى المقدمة النقابة التى لعبت قيادتها السابقة دوراً رئيسياً فى المذبحة بالتنسيق مع مجلس الشورى، المالك الاسمى للصحف القومية، ما جرى ويجرى مع القضاة ثم مع الصحفيين المتهمين بإثارة الضجيج حول اللاشىء وإخفاء الإنجازات لم يقدروا على لفت النظر إلى قضاياهم وما جرى لهم، لقد جرى إقصاء كفاءات نادرة وطاقات كبيرة بمجرد بلوغهم الستين، هذا الرقم الذى يتم استغلاله لإبعاد الفئات التى يجرى استئصالها أو تطويعها، وأهمها الآن الصحفيون والقضاة. سن الستين لم يعد نقطة للتقاعد مع تقدم وسائل العناية بالصحة وارتفاع مستوى الأعمار، لاحظت فى مختلف دول العالم تقدم هذا المعدل إلى السبعين، كانت دور الصحف، خاصة القومية، تنهى الخدمة عند الستين ثم يجرى المد حتى الخامسة والستين فى كل عام، كان العرف الراسخ هو سن الخامسة والستين وترك الأمر بالنسبة للأسماء الكبيرة والخبرات النادرة فيما يتعلق بالمد بعد الخامسة والستين. إن تكوين الكتاب من ذوى المصداقية والمكانة عملية طويلة ومعقدة، هل كان من المعقول إنهاء خدمة توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ومحمد زكى عبدالقادر، وكبار الصحفيين الذين تتلمذنا عليهم؟! لقد جرى إخراج العشرات من أكفأ الخبرات بمجرد بلوغهم الستين خلال الشهور الأخيرة، وهنا يجب التوسع فى شرح ظروف المرتبات والدخول فى الصحافة. القوى المعادية للإعلام فى السلطة تصور الأمر وكأن الصحفيين من أصحاب الملايين، يتحدثون عن مرتبات بالملايين والسكن فى قصور ومنتجعات، الحقيقة أن من ينطبق عليهم ذلك عدد قليل جداً لا يتجاوز أصابع اليدين، إذا دققنا، ودخولهم المرتفعة ليست من الصحافة المكتوبة ولكن من الصحافة المرئية من التليفزيون، وربما انعكس الوضع المختل فى المجتمع على الصحف القومية بشكل مركز وعنيف، فطوال العقود الأخيرة يوجد على قمة المؤسسات عدد محدود جداً النظام راضٍ عنه بغض الطرف عن مخالفاته فى مقابل ضمان الوضع وإبداء الولاء، أصبح عدد قليل من المليونيرات غير أن متوسط دخول كبار الصحفيين كان أقل من أن يكفل لهم الحياة العادية لذلك اضطر الكثيرون منهم إلى الكتابة فى صحف أخرى معظمها عربية أو العمل فى التليفزيون ليس للادخار أو تكوين الثروة بل لضمان الستر فى حده الأدنى، يمكن القول أن متوسط الدخل، بعد خدمة تمتد إلى ما يقارب النصف قرن، حوالى خمسة آلاف جنيه، لا أتحدث عن الصحفيين فى المراتب الوسطى لكن عن الكبار جداً، هذا هو دخل أنيس منصور والسيد يس وأكبر شاعر عربى معاصر أحمد عبدالمعطى حجازى، الذى كان يجب أن يُكفل له وضع يحقق له التفرغ لشعره بدلاً من استنزاف طاقته فى المقالات. ماذا يحدث عند الإحالة إلى الستين؟ ينزل المرتب إلى قيمة المعاش «ألف ومائتى جنيه فقط»، مع انتهاء إمكانية العلاج أو الانتقال بسيارات المؤسسة، وانقطاع جميع الخدمات، يحدث هذا لكبار الأسماء، يواجه هؤلاء المستبعدون قسراً الحياة دون أى عدة أو إمكانيات فى ظروف تقدم العمر وضيق الإمكانية واشتداد العلل وتعاظم تكاليف الحياة. طوال الفترة الماضية كنت التقى بوجوه أفنى أصحابها أعمارهم، منهم أصحاب خبرات نادرة، القلق يعتصرهم وعيونهم حزينة بعد أن تم استبعادهم بقرارات من زملاء لهم يتلقون تعليماتهم من مجلس الشورى، التابع للجماعة، يجرى هذا الإقصاء الخطير المتقنع باللوائح فى صمت وفى النفس حديث طويل جله مر.