منذ 10 سنوات تقريباً تعرفت على زميل لى فى جامعة الأزهر أفغانى الجنسية، عمل لفترة ملحقاً لسفارة بلده فى اليابان، ثم انتقل وأسرته الثرية العريقة فى صناعة السجاد إلى إيران، كان يكبرنى بسبع سنوات تقريباً، وجاء إلى مصر ليدرس فى الأزهر ويتعلم اللغات، سألته متعجباً: أنت تملك أن تدرس فى جامعات أوروبا، وجامعات أخرى أكثر اعتمادية وشهرة فى تعليم اللغات فى مصر كالجامعة الأمريكية مثلاً، فلماذا الأزهر؟ فأجاب: «أنت لا تعرف ما هو الأزهر، عندما أعود إلى بلدى وقد درست فى الأزهر وألبس الزى الأزهرى سيحملنى الناس على أعناقهم، أصبح إماماً ولى رأى يعتد به بغض النظر عن سنى ومنزلة أسرتى، عندما أتحدث يسكت الجميع، وعندما يجتمع كبار بلدتى أصبح ضيفاً رئيساً فى جلساتهم»، تملكتنى قشعريرة انتشاء داخلى.. وسكت. عندما تسمم طلاب الأزهر للمرة الثانية خرج عصام العريان ليطالب شيخ الأزهر بالحسم فى قراراته، و«تشملل» مستشار الحرية والعدالة أبوبركة ليحمّله المسئولية، واتصل مرسى برئيس اتحاد الطلاب ليتابع الموقف، كلهم يريدون رأس صاحب العمامة الكبيرة والمقام الرفيع، ليس لشخصه، وإنما لأنه بتركيعه وتسجيده وأخونته تدين لهم كل الأمور، أو هكذا يظنون. تحركات الإخوان، جماعة وحزباً ورئيساً، لم تكن بتلك الغيرة ساعة مات الطلاب فجراً فى قطار أسيوط، لم يتحدثوا عن مسئولية «الراعى» السياسية بتلك «الحُرقة» ساعة قُتل جنود الأمن المركزى إهمالاً فى البدرشين وغدراً فى رفح، قارئو التاريخ سيعرفون جيداً أن الأزهر لم يُعادِ إلا طاغية، ولم يضطهده إلا فاسد، ولم يحاول السيطرة عليه وتدجينه إلا جاهل «عديم الدين». من فوق منبره أعلن جمال عبدالناصر النضال ضد العدوان الثلاثى، وعندما غزا الفرنسيون مصر عام 1798م بقيادة «نابليون بونابرت» أشعل علماء الأزهر الثورة ضدهم، فدخلوا صحنه بخيولهم وألقوا المصاحف على الأرض وهددوا بضرب الجامع بالمدافع من فوق القلعة ظناً منهم أنه بإسقاط الأزهر تسقط الدولة، وأنهم بذلك يخمدون ثورة القاهرة التى استعرت معها نيران الحركة الوطنية حتى الانسحاب الكامل من مصر، وعبثاً يحاول الإخوان ثانية أن يقتحموا الأزهر بخيلهم وأن يخرسوه بمدافعهم، لو أفلح «نابليون» لأفلح «مرسى». - قال عنه مصطفى صادق الرافعى: «المدارس، والمساجد، والبِيَع، والكنائس، ووزارة الداخلية؛ هذه كلها لن تهزم الشاطئ. فأمواج النفس البشرية كأمواج البحر الصاخب، تنهزم أبداً لترجع أبداً. لا يهزم الشاطئ إلا ذلك الجامع الأزهر، فصرخة واحدة من قلب الأزهر القديم، تجعل هدير البحر كأنه تسبيح». - وقال مصطفى محمود: «الأزهر هو المرجع الوحيد لعلوم الأصول الإسلامية وهو الحافظ الوحيد لهذه الأصول من الضياع والتشويه.. إنها أمانة ثقيلة وكلنا عنها مسئول». - وقال عنه الإمام محمد عبده: «إن إصلاح الأزهر أعظم خدمة للإسلام، فإن إصلاحه إصلاح لجميع المسلمين، وفساده فساد لهم». أما محمود محمد شاكر فقال: «فى وقت كان فيه محمد على الجاهل يحطّم أجنحة الأزهر، ويضعه فى قفص لا يستطيع الإفلات منه، ويدبّر كل مكيدة لإسقاط هيبته وهيبة مشايخه، ويعزلهم عن جمهور الأمّة عزلاً بين قضبان من حديد وجدران من الصخور، ومرّت الأيّام والسنون، وهذا الصدع يتفاقم، حتى انتهينا إلى ما نحن عليه اليوم من الانقسام والتفريق، وذهبت (الثقافة المتكاملة) فى دار الإسلام فى مصر أدراج الرياح». لم تختلف خطوات الفرنسيين عن خطوات الإخوان، كلاهما استهدف الأزهر وعلماءه للسيطرة على مصر، وإن اختلفت أشكال وأصوات خيولهما، خيول بونابرت كانت مسروجة وعليها فرسان وجنود انتهكوا حرمة دار عبادة لا يدينون بها، وخيول الإخوان مسروجة منزوعة العقول والثقافة «تبرطع» وتسعى لتحطيم قلاع تحميها ظناً ممن يمتطونها أنهم بإرضاء قائد «الاسطبل» إنما يرضون ربهم الأعلى.