أخطر ما يواجه مصر الآن هو الانتهازية الدينية وخطورة هذا الامر تكمن في وجود تناقض منطقي بين الدين والسياسة، فالدين مطلق والسياسة نسبية والمعايير الدينية ثابتة والسياسة متغيرة! فإذا ما تصادمت العقيدة الدينية مع العقيدة السياسية، ينتصر الدين وتنهزم السياسة! وأول من استغل الدين كأداة سياسية ليس المحتل البريطاني الذي اخترع جماعة الإخوان المسلمين وحاول تنصيب الملك فؤاد الأول أميراً للمؤمنين! فصاحب براءة الاختراع هو الفيلسوف «أرسطو» معلم الإسكندر الأكبر وملهم «مكيافيللي» صاحب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة!، فحين اراد الاسكندر غزو مصر سأل معلمه عن بوابة الدخول للشخصية المصرية فقال له أرسطو: الدين، فالشعب المصري متدين بالفطرة، وهو أول من اكتشف «التوحيد» قبل وصول الرسالات السماوية واتخذ إلهاً واحداً!، وقبل أن تطأ قواته ارض مصر ذهب الاسكندر إلي «معبد آمون» في الصحراء الشرقية وراح يتعبد لثلاثة ايام، ليكسب ود المصريين فحدث له ما أراد وفتح له المصريون ابوابهم دون نقطة دم واحدة! وحين أراد نابليون بونابرت غزو مصر استدعي خبرة التاريخ وقرأ «أرسطو» وهضم تجربة الاسكندر الأكبر واستخلص منها العبرة: الدين هو بوابة الدخول الآمنة لاحتلال مصر بأقل الخسائر! وحين وصلت قواته القاهرة، استهدف الجامع الأزهر، واتخذ من علمائه مجلساً استشارياً لحكم مصر وتمرير قراراته وفرماناته المكتوبة التي كان يبدؤها بالبسملة!. ويروي «الجبرتي» في مذكراته أن بونابرت كان في زيارة لبيت الشيخ الشرقاوي إمام الجامع الأزهر حين أذن لصلاة المغرب فنهض الشيوخ يصطفون خلف امامهم فإذا بنابليون يصطف بينهم، فطلب منه الشيخ الشرقاوي أن يخلع حذاءه، وذهب معه أحد الشيوخ يعلمه الوضوء قبل عودته لاداء الصلاة! وتعلل لشيوخ الازهر بوجود مشكلة تحول دون اشهار اسلامه وهي عدم «طهارته»، وكتب بونابرت في مذكراته أنه كان مستعداً للتحالف مع الشيطان شخصياً إذا كان ذلك يمكنه من حكم مصر دون مقاومة وطنية!، واعترف أنه كان ينتوي الذهاب إلي الحجاز والوقوف بالكعبة واداء الحج ليقنع المصريين أنه بات واحداً منهم!. ويقول المؤرخ الأمريكي«كريستوفر جيرالد» في كتابه بونابرت في مصر: إن نابليون استغل الاسلام ابشع استغلال ليحكم مصر ويستولي علي مقدرات المصريين وتراثهم الحضاري. وقد لخص نابليون فكرته في عبارة مختزلة في مذكراته التي كتبها بعد ذلك حين كان سجيناً بجزيرة «سانت هيلانه» حينما تتصادم العقيدة الدينية والعقيدة السياسية في عقول الناس، تنتصر العقيدة الدينية وحين يتصادم الدين مع العقيدة الوطنية.. ينتصر الدين وتهزم الوطنية!. انتهي كلام بونابرت.. وانتهي زمانه دون أن نستفيد من درس التاريخ وعبرته السياسية، وهي أن هزائم الأوطان تبدأ بغزو العقول واحتلالها، وغزو العقول يبدأ باستخدام الدين كمطية وصولاً لأهداف سياسية.. تلك هي الانتهازيةالدينية في اسوأ معانيها,واقبح صورها ! نشر بالعدد 591 بتاريخ 9 ابريل 2012 س