تعيد الإدارة الأمريكية اليوم تقييم توجهاتها ومواقفها بشأن الدكتور محمد مرسى وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، هذه هى النتيجة الأبرز لسلسلة من اللقاءات العلنية التى شاركت بها خلال الأيام الماضية فى العاصمة واشنطن. ودوافع إدارة «أوباما» لإعادة التقييم متنوعة، فمن جهة أولى، رتب الأداء المتواضع للدكتور مرسى ولفريقه الحكومى فى الملفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تراجعاً واضحاً فى «الثقة الأولية» التى بدأت إدارة «أوباما» بها تفاعلاتها مع الرئيس الإخوانى. من جهة ثانية، لم تعُد الإدارة، ممثلة فى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومى ووزارتى الخارجية والدفاع، مقتنعة بوجود رؤية واضحة لدى الرئيس والحزب والجماعة لأولويات مصر الداخلية والخارجية. فاستيعاب المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، الذى تراه إدارة «أوباما» ضرورياً لبناء التوافق الوطنى، غائب، شأنه شأن النقاش السياسى الجاد حول قرض صندوق النقد الدولى والمساعدات الدولية للاقتصاد المصرى وحزمة السياسات المرتبطة بها. والعلاقة المصرية القطرية الخاصة تفسر أمريكياً على أنها بحث إخوانى عن أموال دون شروط ودون إدخال إصلاحات اقتصادية جادة، وبحث قطرى عن نفوذ إقليمى أهدافه النهائية غير معلومة. أما مجمل الفعل المصرى فى الشرق الأوسط (فلسطين وسوريا وإيران والخليج) وفى العلاقات الدولية، فخلفياته وأولوياته الاستراتيجية والسياسية غير واضحة لإدارة «أوباما». من جهة ثالثة، تراكمت خلال الأشهر الماضية شكوك متصاعدة لدى الإدارة بشأن مدى التزام الإخوان بالقيم والإجراءات الديمقراطية. فحين يصدر رئيس منتخب جاء به صندوق انتخابات غير مزور إعلاناً «دستورياً» يعصف به استقلال السلطة القضائية ويضع نفسه فوق السلطات، تصبح مبررات الشك فى نوايا الرئيس حاضرة. وحين يعد الرئيس بتوافق وطنى حول الدستور ثم يتجاهله وحين يعد حزبه بشراكة وطنية فى العمل الحكومى والتنفيذى ويتجاهلها، تتصاعد مبررات الشك. وحين تبدأ الكتلة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة فى تمرير مناقشة قوانين غير ديمقراطية فى المجلس التشريعى الحالى (مجلس الشورى) وأبرزها قانون الجمعيات الأهلية وقانون السلطة القضائية وقانون الانتخابات، تتحول مبررات الشك فى نظر كثيرين داخل إدارة «أوباما» إلى دلائل حقيقية على اختزال الإخوان للديمقراطية فى مجرد صندوق الانتخابات واستعدادهم لتجاهل سيادة القانون والعصف باستقلالية السلطات العامة وإعادة بناء الاستبداد بقمع المجتمع المدنى وإهدار مبادئ تكافؤ الفرص ونزاهة الانتخابات. من جهة رابعة، لم تعد ثنائية خطاب الإخوان والمعايير المزدوجة بخافية على إدارة «أوباما»، بل أضحت مدعاة للمزيد من علامات الاستفهام والمزيد من عدم الثقة. خطاب للداخل بشأن العنف الطائفى يستخف به، وخطاب للخارج يشدد على ضرورة المواجهة الجادة وضمان حقوق المواطنة المتساوية للأقباط. خطاب للداخل عن الإعلام يتهمه بالتآمر والتضليل والإفساد، وخطاب للخارج يدعى احترام الحريات الإعلامية. خطاب للداخل عن الولاياتالمتحدة ينتقد سياساتها ويبرر على نحو غير مباشر الهجمات الإرهابية الأخيرة ضد مواطنيها، وخطاب للخارج يتعاطف مع الشعب الأمريكى ويعده بصداقة أبدية. لم تعد الثنائية هذه بخافية على أحد فى إدارة «أوباما»، التى يجيد المتخصصون فى الشأن المصرى بها قراءة اللغة العربية، ولم تعد تنتج إلا الريبة والقلق فى نوايا وأهداف الإخوان (على الرغم من دفاع السفارة الأمريكية المستميت عنهم). من جهة خامسة، ترتفع أصوات المصريات والمصريين من المتمتعين بالجنسية الأمريكية مطالبة إدارة أوباما (عبر الكونجرس) باحترام حق الشعب المصرى فى بناء ديمقراطية فعالة وفى ضمان مواطنة دون تمييز وفى مواجهة العنف الطائفى، ومن ثم بالتزام الدفاع عن الديمقراطية فى تفاعلاتها مع الإخوان. الجاليات المصرية فى الولاياتالمتحدة تشكل بهذا عاملاً إضافياً لإعادة إدارة «أوباما» تقييم مواقفها تجاه الدكتور مرسى وحزبه وجماعته، وأصواتهم تطالب أيضاً بوقف الانتقاص من حقوقهم هم السياسية وهم يحرمون فى دستور 2012 من الترشح للمناصب التنفيذية حتى وإن تنازلوا عن الجنسية الأمريكية التى اكتسبها معظمهم. لكل هذه الدوافع والأسباب تعيد إدارة «أوباما» تقييم توجهاتها ومواقفها بشأن الحكم الإخوانى فى مصر. ومع تغير بوصلة الإدارة تعيد مجموعة من الباحثين الأمريكيين والمصريين العاملين فى واشنطن، ممن يتبنون من الرؤى والأفكار إما ما هو فى رواج إعلامى أو ما هو مقبول لدى الإدارة، صياغة مواقفهم لتصبح اليوم معبرة عن رفض لإعلان 21 نوفمبر 2012 غير الدستورى بعد أن دافعت عنه، ومدافعة عن استقلال القضاء بعد أن اتهمته بالفساد والاستبداد وناقدة لمحدودية التزام الإخوان بالديمقراطية بعد أن كان مجرد الشك فى نواياهم من المحرمات!