اجتاحت المنتجات الصينية العالم حتى لا يكاد يخلو بيت من وجود منتجات صينية به. لم أنظر للصين أبداً كعدو مثلما ينافق البعض بهذا الادعاء بينما تجده فى بيته محاطاً بعشرات المنتجات الصينية التى يتباهى بها. الذكاء الصينى عرف كيف ينتشر ببساطة فى كل حارة حول العالم بدون أى إجبار. حتى أوروبا غزتها المنتجات الصينية وباتت تأخذ حيزاً واضحاً فى سوقها العالمى، لكنهم أيضاً من الذكاء بحيث بدأوا يصنعون المنتجات بنوعيات متعددة، هذا التعدد النوعى للمنتج الواحد فتح أسواقاً أكثر رحابة ذات قدرات شرائية قوية، ثم متوسطة، وأخيرة ذات قدرات شرائية أضعف. * التأثير الحاصل فى العالم النامى هو الجدير بالاهتمام؛ فبينما بعض الدول ترفع شعارات طنانة من نوعية (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) أو تتشدق دائماً بدعاية وطنية مزيفة عبر عشرات السنين تحت شعار يضرب فى الوطنية الغائبة ويقول (الاكتفاء الذاتى)، نجد أن أراضيها لا تكفى لإطعام أهلها، لأن السياسات الجاهلة تعتمد على فكرة تصدير أفضل منتجات البلاد إلى الدول الغنية، باتفاقات وعقود خفية ومصالح نخبوية فئوية فى العالم النامى لصالح فئة قليلة تستفيد بكل أنانية باسم الوطن، لتوفير أفضل منتجات البلاد من أجل التصدير. السوبر ماركت الأوروبى فيه بطاطس وفاصوليا وبصل من أفضل ما يوجد فى مصر، وأفضل تمر من تونس وأفضل أنواع البطاطا من البرازيل، وفيه أرز من الهند وباكستان والبنجلاديش، وفواكه لا تعد ولا تحصى من أمريكا الجنوبية، هذا غير المحاصيل الأخرى من الدرجة الأولى التى لا يراها أصحابها فى بلادهم على الإطلاق. * فى المقابل تستهلك الصفوة فى الدول النامية منتجات أوروبية أغلى وبأسعار خيالية، ويستهلك البسطاء منتجات صينية بكميات خيالية ورخيصة السعر أو ماركات مقلدة من دول آسيوية على رأسها الصين. لو مسحنا فى نظرة سريعة عالمنا الشرقى، ستجد مثلاً أن كثيراً من الأشخاص لديهم جهازان موبايل، وربما آخر قديم ماركة «نوكيا» مركون فى أحد الأدراج، وستجد فى البيوت أكثر من تليفزيون، وستجد ملابس رخيصة ورديئة، بينما الأقطان ذات الجودة الممتازة تُصدّر للخارج لتعود وعليها اسم ماركة عالمية شهيرة، لتوزع فى بلد إنتاج المواد الأولية، ستجد بكل بساطة أن البترول والغاز يسيّر حيوية الحياة الغربية والأمريكية بجدارة، بينما الناس تعانى من شح الغاز، والأراضى يتم تجريفها أو البناء عليها، ونزع مساحات الخير منها، ثم الذهاب لمفاوضات استيراد القمح من أجل «العيش». * ليس الغرب وحده هو السيئ والخبيث! الخبثاء الأسوأ فى بلادنا الذين يوافقون على تجويع المواطن بلا ضمير، وعلى تهميشه مادياً ومعنوياً، ليلجأ لخيار وحيد بشراء المنتجات الرخيصة، ولتضغط عليه الحياة فيشترى أكثر ليملأ حياته بمنتجات لا يحتاجها ليشعر بالغنى الزائف، فى زمن إجبار الإعلان والدعاية وتلويث العقل بالكم لا النوع، مما يجعله ينساق فى جمع الركام الحديث، بل والتباهى به فى كثير من الأحيان؛ بينما الصين وما يشابهها من الدول الآسيوية ماضية فى حل مشكلة العمالة لديها وتطوير اقتصاداتها بصرامة! * منتجاتنا القديمة التى نشتريها أو نقتنيها أو نهديها الآن لم تعد من صنعنا: سجادة الصلاة، المسبحة، الشبشب، الصندل، الحذاء، الكاميرا، الموبايل، الموائد، الأكواب، الحلل، الأقلام، ال«تى شيرت»، ماكينات الحلاقة، أدوات الزينة البلاستيك، مساحيق التجميل، الأطباق، الملاعق، الورق، النظارات الشمسية، الولاعات، المحافظ، وعشرات المنتجات. استطاعت الصين أن تنتج للعالم بدلاً منها كل ما يريد من منتجاته المحلية القديمة، بسعر أرخص ونوعية أردأ، فتوقف الإنتاج المحلى بالبلاد، وانقرض الكثير من الصناعات الصغيرة الأصيلة وشبه المعمرة، مقابل الاستهلاك الآنى الردىء، وما زلنا نستهلك بجدارة ونتباهى بجهل! (فيينا، 25 أبريل 2013)