كان السؤال الذى ظل يراود ذهن القاضى الحكيم.. كيف ترجح كفتى ميزان العدالة فى مذبحة تحاك لقضاة مصر.. كيف يرفع الحرج من على كاهل مؤسسة الرئاسة.. وفى نفس الوقت ينزع فتيل الأزمة من داخل الجهات القضائية التى احتشدت جميعها «كالبنيان المرصوص» لرفض مشروع قانون السلطة القضائية الذى يناقشه مجلس الشورى؟.. وبعد تفكير عميق جاء الحل الذى يرضى جميع الأطراف.. ويحقق ميزان العدالة. بعد صمت دام لأكثر من عشرة أيام منذ الأزمة.. يخرج المستشار حسام الغريانى، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، أو شيخ قضاة مصر، كما يحلو للبعض نعته، طالباً فى تصريحات بتأجيل مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية.. وإرجاء مناقشته لحين تشكيل مجلس النواب الجديد. تصريحات الغريانى كشفت عن بداية لانفراج الأزمة الدائرة بين كافة الأطراف بسبب مشروع القانون الذى قدمه حزب الوسط بدعوى «تطهير القضاء». الحسابات تشير إلى أن إصدار مجلس الشورى المطعون فى صحة عضوية أعضائه لهذا القانون المهم سهل أن يتعرض للطعن مستقبلاً لو كان للشورى مصير مجلس الشعب المنحل.. أما من الناحية الأخرى فالمطالبة بتأجيل مناقشة مشروع القانون حينما تخرج على لسان «الغريانى» أحد قضاة تيار استقلال القضاء.. والمقرر العام لمؤتمر «عدالة القضاة» وأحد أبرز المشاركين فى إعداد قانون السلطة القضائية عام 1990 سيكون لها تأثيرها السريع على الرأى العام. الأخطر من هذا وذاك هو أن التأجيل سيحقق لحزب الحرية والعدالة إمكانية تقديم مشروع السلطة القضائية.. الذى صدرت تعليمات بمكتب الإرشاد بتأجيل إرساله إلى مجلس الشورى لمناقشته لعدم توافر الوقت المناسب لمناقشته. حل «الغريانى» الأزمة الراهنة بسلاسة وهدوء.. واحتفظ بلقب شيخ القضاة، الذى اكتسبه باعتباره أحد رموز تيار استقلال القضاة والذى كان يشاركه فيه المستشار أحمد مكى، وزير العدل، الذى استقال من منصبه مؤخراً، بسبب اعتراضه على تنظيم مظاهرات لتطهير القضاء. «الغريانى» الذى أراد أن يتجمل فى معركة تبدو فى ظاهرها لنصرة واستقلال القضاء.. وإن كان البعض يشكك فى الحقيقة من وراء شنها، بخلق قضاء تابع لنظام الإخوان وتعيين قضاة جدد لخدمة الجماعة الحاكمة. فيمتلك وجهاً آخر نجح به بموجب رئاسته للجمعية التأسيسية لكتابة الدستور فى تدمير الجهات القضائية من الداخل، حينما قلص عدد أعضاء المحكمة الدستورية لإزاحة المستشارة تهانى الجبالى من منصبها.. وأعطى الحق للجهات القضائية أن تستفيد من خريجى كليات الحقوق أصحاب الخبرات وتعيينهم فى السلك القضائى، لخلق جيل جديد من القضاة الإخوان داخل القضاء الذى ظل محصناً لفترات طويلة عن كل الأهواء السياسية. «الغريانى» الذى استباح تفصيل مواد بباب السلطات القضائية لخدمة نظام «مرسى».. لا يمكن أن يتحدث الآن عن عدالة القضاء.