لم يجد أعمال الكُتَّاب الأجانب الذين يحبهم على ورق مطبوع أو حتى في الإنترنت، فقرر أن يصنعها بنفسه. ولأنه مترجِم، ولأن هذا هو ما يجيد عمله في الحياة؛ بدأ مشروعه على مهل، ثم اندفع صاعدًا بسرعة حين وجد في أصدقائه التقدير الذي يبحث عنه. نشر عدة نصوص بوسائل بسيطة عبر حسابه على موقع "فيس بوك"، ثم قرر أن عليه أن يكسر حاجز "الأصدقاء" ويخرج إلى فضاء الموقع ليواجه ملايين من المستخدمين العرب. وجد أن ما لديه يكفي كي يُشبِع نهم قراءٍ مثله لا يجدون ترجمات جيدة لكُتَّاب كبار، أو لا يجدونها على الإطلاق إلا بالإنجليزية، فأنشأ صفحته وأسماها "المُترجِم"، لتكون عالمًا موازيًا لعالم الترجمة العربية المطبوعة. لا يُسهِب في وصف نفسه، فقط تُطالعك حين تدخل صفحة "هشام فهمي" كلمات قليلة قد تجدها تقليدية، لكنها تصف بدقة ما أراد أن يقول: "أنا أترجم، إذن أنا موجود". أطلق الصفحة منتصف أبريل الجاري بترجمة لقصة تشاك بولانيك، التي قد يراها البعض صادمة، "أحشاء"، مع 15 ترجمة أخرى بين مقالات وقصص قصيرة، لكُتَّاب منهم ستيفن كينج ونيل جايمان وهاروكي موراكامي، بالإضافة إلى المخرج وودي آلن. ورغم محتوى الصفحة الثقيل أدبيًّا، ورغم أن كثيرين لا يفضِّلون القراءة عبر شاشات الكمبيوتر، إلا أن رد الفعل كان مبشِّرًا. وبالنظر لهدف الصفحة، في زمن يعتبر فيه معظم مستخدمي "فيس بوك" أنه وسيلة سهلة لمعرفة الأخبار، أو مجموعة كبيرة من الألعاب، أو حتى غرفة عملاقة للدردشة، فإن عدد أعضائها ومتابعيها يتقافز بطريقة مطمئنة، دفعت "فهمي" إلى ترجمة المزيد، وهو ما عبَّرت عنه إحدى عضوات الصفحة: "في وسط العالم اللي مليان غثاء، الصفحة دي قيِّمة جدًّا". بدون تعقيد في الكتابة وبلغة سلسة يمتلكها، وبمساعدة حقيقية من دراسته للأدب الإنجليزي بجامعة الإسكندرية وعمله مترجما وصحفيا بعدة صحف ومجلات منها "الدستور الأصلي"، يبرع "فهمي" في نقل ما أراد الكاتب إيصاله عبر الترجمة. يحتاج أحيانًا إلى إعادة ترتيب الجملة، يستخدم أقرب التعبيرات في العربية، لكنك مع بداية القراءة تكاد تقع في فخ أن "الجملة كإنها مكتوبة بالعربي، وهو ده الهدف من ترجمتي"، بحسب ما قال. ما فاجأ "فهمي" وأسعده كان تفاعل عدد من الكُتَّاب مع الصفحة؛ منهم بلال فضل ومحمد خير وتامر فتحي وأميرة الدسوقي. "فضل" بدأ بوصف الأعمال المنشورة بأنها "بنت لذينة ملهاش حل". قال إن الصفحة تفرَّدت في ترجمة منطقة غير مطروقة عادة عند المترجمين العرب، وهي الكتابة الأمريكية المعاصرة. أكد أن ترجمة "فهمي" رائعة وأن "الشغل ممتع وجميل"، بل وعرض عليه إهداءه بعض الكتب ليترجمها. "المُترجم"، الذي نشر ورقيًّا قبل ذلك ترجمته لرواية جون رونالد تولكين "الهوبيت"، وعملين لستيفن كينج وريتشارد ماثيسون، وكذلك دراسة بالعربية عن مسلسل Lost، قال إن الطبعة الثانية من "الهوبيت" ستصدر قريبًا، وإنه يستعد حاليا لإصدار ترجمة رواية المؤلفة البريطانية ماري شيلي الأكثر شهرة "فرانكنشتاين". "فهمي" مستاء كثيرًا من أن "الترجمة مش واخدة حقَّها في البلد". يؤكد بانفعال أن المترجمين يظلِمون كثيرًا معظم مؤلفي "البوب آرت" و"الكوميكس" بتجاهلهم. ماذا يريد من الصفحة؟ هل يترجم لمجرد الاستمتاع؟ هذا حقيقي بالفعل، لكنه يشدد أيضًا على أن "البلد فيها مترجمين موهوبين يستحقون الفرصة ويجب النظر إليهم".