كنت مع مليجى وإذا به يغير الطريق بتاكسيه الأبيض ويوقف العداد وينظر لى: معلهش يا باشا.. خمس دقايق بس أقضى مصلحة وأوصّلك ببلاش والله. لم ينتظر موافقتى، وإذا بنا على كوبرى 6 أكتوبر الذى يعانى دائماً من الزحام الشديد، ويكاد يكون باركينج لسيارات القاهرة. نظرت من النافذة وقلت: أكيد فيه حادثة، فرد مليجى: لا يا باشا.. ده إضراب. ضحكت وقلت: وانت إيش عرّفك يا مليجى، فباغتنى قائلاً: أصل أنا مشارك فيه!!!! سيسب الجميع ويلعن فى سائقى التاكسى الذين عطلوا الطريق على كوبرى أكتوبر «قال يعنى يا باشا هو مش متعطل خلقة.. فى الآخر هيلبسوهالنا ويشتموا اللى جايبينا»!! يبدو مليجى دائماً ساخطاً لكنه قانع. عصبياً لكنه صاحب منطق. قليل الأدب بس دمه خفيف: «يا باشا إنت وغيرك ناس بتشتغل بمرتبات ثابتة.. سواقين التاكسى دول ما يعرفوش هيدخل لهم كام، ولا يعرفوا هيجيلهم مشوار من أبو50 بجد ولاّ كمين عشان يثبّتوهم، وفى الأحوال الزفت دى تلاقى خازوق طلعلك هنا.. حادثة عطلتك هنا.. وقفة احتجاجية موقفة الدنيا.. تقوم الحكومة كمان تسفلتنا.. كان شفيق أرحم يا باشا واهو الوحيد اللى افتكرنا».. الرجل محق.. شفيق فى وعوده وعد سائقى التاكسى الأبيض بإسقاط ديونهم، فيما وعد مرسى الجميع بحياة محترمة، ولم يف بوعده. يقول مليجى: «بالك انت يا باشا.. بدل مظاهرات تطهير القضاء دى.. ما يشيل النائب العام ويخشع والدنيا حتهدى شوية، واهى تبقى حاجة قصاد حاجة، ويطهر برضه ويرش ميه بفنيك ويولّع عود بخور عشان الريحة.. عادى يعنى. إنما هو مش عايز يطهر القضاء.. ده عايز يطاهره». ومن سمعك يا مليجى. «الأكادة بقى إن القضاء عايز يتطهر فعلاً.. بس مش الإخوان اللى هيطهروه.. دول حيخربوه ويجيبوا خرونجات يحكموا على مزاجهم». سألته: هل تحب القضاء يا مليجى.. رد: والقدر وحياتك. بس المصيبة إنهم برضه تعبانين ملة.. اللى كانوا بيقولوا استقلال القضا فى 2006 بقوا همّا اللى بيقولوا عيب تصعّدوا مع الرياسة دلوقت، واللى كانوا لايشين القضا فى 2006 ويقولوا لك النادى ده بتاع شاى وحاجة ساقعة، بقوا عاملين فيها خضرة الشريفة دلوقت وبيطالبوا بالاستقلال، وفى وسط الخناقة دى خلاص.. اللى عايزينه الإخوان حصل ولطوا القضاء».. يكمل مليجى ولا أجدعها محلل استراتيجى: «أهو دلوقت شاط هو وجماعته القضا، وقبلها شاطوا الجيش والمخابرات والإعلام والشرطة.. مش فاضل له غير هيئة الصرف الصحى ويشككنا فى الببيه بالمرة ابن ال....». أدركته قبل أن يطلق سبة مما تيسر من سبابه.. عيب يا مليجى.. الرجل رئيس مصر ومهما كان الخلاف لا يجب أن نهينه. يقول مليجى: «وهو اللى يجيب الأشكال دى يبقى رئيس مصر.. ده انا لو ساقط إعدادية مااخترش الناس دى فى الحكومة».. أوجعنى مليجى واستطرد: «المؤيدين والمعارضين والليبراليين والإسلاميين قالوا له شيل هشام قنديل عشان فاشل، وهو مصمم.. أنا قلت لمراتى إمبارح أن هشام قنديل ده أكيد ممضيه على كمبيالات».. ابتسمت رغماً عنى وأسعدنى الثبات الانفعالى عند مليجى الذى قلل من سبابه وإشاراته وتلميحاته لكنه باغتنى مرة أخرى: «سمعت وزير الإعلام وهو بيقول قاعد على قلبكم.. الظاهر أن القعدة مكيفاه يا باشا.. ههههههه.. خخخخخخ». حاولت تغيير دفة الأمور.. نزلت من التاكسى وأنا أتطلع للناس الشقيانة التعبانة الكفرانة التى كرهت الجميع وفقدت فيهم الأمل وقد يعودون مرة أخرى لمقاعد المتفرجين بعد أن خذلهم الناس المتعلمين. سائقو التاكسى الأبيض يتسايرون ويتضاحكون ويلقون سباباتهم بالكلاكسات على طريقة مليجى. أنظر خلفى باحثاً عن مليجى وتاكسيه الأبيض فلا أجده. أضرب كفاً بكف فيأتينى رنين الهاتف الذى حمل صوت مليجى: معلهش يا باشا.. جالى مشوار من أبو50 «5 دقايق وأرجعلك».