فى أحد بيوت عزبة «خيرالله» تجدها قابعة، تخبئ جسدها النحيل فى بطانية وتدفئ قلبها بأبنائها وأحفادها المحيطين بها، الذين لا يغادرونها طيلة الوقت، هى حميدة أحمد حسن، معمرة تجاوز عمرها 123 عاماً، جذورها صعيدية من مركز «طما» فى سوهاج، لم تطأ قدماها أرض المحروسة إلا بعد أن أتمت عامها المائة، حين شعرت أنها شبعت من أرض الصعيد. تعيش «حميدة» بين 6 أبناء و50 حفيداً، يسكنون فى بيت يقع فى قلب الجبل، تجلس بينهم تحكى لهم حكايات عاصرتها من تاريخ مصر تمتد جذورها إلى الملكية، مروراً بعبدالناصر والسادات ومبارك وانتهاء بمرسى، مؤكدة أن أيام زمان كانت أفضل وأكثر خيراً. ولدت «حميدة» فى عام 1890 فى عهد الملك فؤاد الأول، وعندما أكملت عامها العاشر تزوجت من أحد أبناء قريتها وأنجبت منه ستة أبناء ثم وافته المنية فتولت هى تربية أبنائها، وكان أصغرهم وقتها عمره ستة أشهر، وأكملت رسالتها تجاههم حتى تزوجوا وأنجبوا. عاشت «حميدة» أجمل سنوات عمرها فى سوهاج، وعندما أتمت عامها المائة طلب منها أبناؤها العيش معهم فى القاهرة خوفاً من أن يتركوها بمفردها، وبعد محاولات كثيرة باءت بالفشل، رضخت فى النهاية لرغبتهم وقررت النزول لأول مرة إلى القاهرة. ذكرياتها عن أيام زمان لا تتوقف فهى لا تكف عن الحديث عن أيام الملكية والعز الذى كان المصريون يعيشون فيه، حتى المظاهرات التى كانت تندلع وقتها لم تكن بهذا الشكل الموجود حالياً، الذى ينتهى دائماً باشتباكات يضرب فيها المصريون بعضهم بعضاً: «الناس كانت بتخرج وبتعترض لكن عمرهم ما ضربوا بعض، أيام زمان كانت الناس فرحانة وكانوا بيحبوا بعض دلوقتى اتشكلت». على الرغم من كبر سنها فإنها لم تذهب إلى الطبيب طيلة حياتها، فهى لا تعانى من أية أمراض سوى عدم قدرتها على الرؤية، من كثرة البكاء والحسرة على أيام الشلن المخروم والبرنسة المشرشرة، متمنية أن تلقى ربها بعد هذا العمر الطويل. تحكى حميدة كثيراً عن ثورة يوليو والصوان الكبير الذى أعده أهل قريتها للاحتفال بابن الصعيد جمال عبدالناصر، الذى استمر أكثر من خمس ليالٍ، وتحكى أكثر عن فرحتها بقانون الإصلاح الزراعى الذى حصل بموجبه أهل قريتها على أكثر من 20 فداناً: «الناس زمان كانت بتحب الرئيس جمال عبدالناصر، ولما مات مشيت فى الشارع تهتف باسمه.. يا عبدالناصر يا نور العين سايبنا ورايح على فين.. كان راجل زين والناس كلها معلقة صوره فى المنادر».