أزمات مزمنة، خدمات تعليمية منخفضة الجودة، بحث علمى غائب، جسد طلابى وإدارات جامعية فى صراعات متكررة، سلطة تنفيذية تعصف باستقلال الجامعة، عبر وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات، وتتدخل فى شئونها، مشاهد عنف وبلطجة ومواجهات بالسلاح الأبيض داخل الحرم الجامعى، أغذية فاسدة تجد طريقها لطلاب المدن الجامعية، انتخابات للاتحادات الطلابية، وحرية للعمل السياسى داخل الحرم الجامعى، اعتصامات وإضرابات واحتجاجات واسعة تتقاطع مع هموم الوطن العامة. هذه هى الأحوال الكارثية للجامعات المصرية المملوكة للشعب «الجامعات الحكومية»، التى تستدعى اهتماماً مجتمعياً وسياسياً فورياً لمنع الانهيار الكامل. الخطوة الضرورية الأولى هى رفع يد السلطة التنفيذية عن الجامعة، وإلزام وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات بعدم التدخل فى إدارة الجامعة أو فى شئون أعضاء هيئات التدريس أو الجسد الطلابى. فالأساس هو استقلال الجامعة ورقابتها الذاتية على أحوالها، والوزارة والمجلس مهامهما بين تنسيقية وتمويلية وتحفيزية لرفع مستويات الخدمات التعليمية والبحث العلمى. الخطوة الضرورية الثانية هى استكمال تجديد الإدارات الجامعية عبر مزيج من المعايير الانتخابية والموضوعية المرتبطة بالكفاءة، وتطوير الجامعة لأجهزة الرقابة والمحاسبة الذاتية. فبعض الإدارات الجامعية الحالية تم انتخابها، وبعضها يتسم بالاستجابة السريعة لأزمات الجسد الطلابى وأعضاء هيئات التدريس، والبعض الآخر شديد البيروقراطية ويتعامل مع شئون الجامعة بمنطق «المصلحة الحكومية»، وهمّه البقاء فى المنصب دون إصلاح أو تغيير. الخطوة الضرورية الثالثة هى تمكين الإدارات الجامعية، وبدمج لممثلى الجسد الطلابى المنتخبين فى الاتحادات الطلابية، من وضع خطط لتطوير الخدمات التعليمية وقدرات البحث العلمى وإمكانات الجهاز الإدارى (العاملين بالجامعة) والاستعانة بدعم القطاع الخاص والمجتمع المدنى لتجاوز المحدودية المزمنة للتمويل. وهنا يتعين على الجهات التنفيذية «الوزارة والمجلس الأعلى» الانفتاح على خطط التطوير الجامعى ومساعدة الجامعات فى تفعيلها، عبر إعادة النظر فى سياسات توزيع الطلاب على الجامعات، فجامعات بها أكثر من ربع مليون من الطلاب لا يمكن لها أبداً أن تقدم خدمات تعليمية على مستوى مرتفع أو أن يسهم أعضاء هيئاتها التدريسية فى البحث العلمى بجدية. على الجهة التنفيذية أيضاً إعادة النظر فى المبالغ المخصصة بالموازنة العامة للتعليم العالى والضغط من أجل رفعها للمعدلات العالمية. الخطوة الضرورية الرابعة هى الالتزام الكامل بحرية الجسد الطلابى فى التعبير عن مطالبه عبر اتحادات منتخبة (ولائحة طلابية ديمقراطية)، وفى ممارسة النشاط العام والسياسى دون قيود ودون تعقب أو إجراءات انتقامية. لم ينتزع الطلاب حريتهم لكى يجدوا أنفسهم مهددين بإلقاء القبض عليهم أو الفصل أو غيرهما حين ينخرطون فى الدفاع عن قضايا عامة. ولم ينتزع الطلاب حريتهم لكى تساومهم بعض الإدارات الجامعية على حرية العمل العام والسياسى فى مقابل عدم الاعتراض على قرارات الإدارات وعدم المطالبة بتغييرها. الخطوة الضرورية الخامسة هى التأمين الفورى للجامعة وللحرم الجامعى، كى لا تتكرر مشاهد العنف والبلطجة والسلاح الأبيض، وكى لا تغلق أبواب الجامعات وتعلق الدراسة، كما هو الحال الآن فى جامعة عين شمس. والتأمين ممكن بعيداً عن مطالبات البعض بإعادة الحرس الجامعى، وهذه مرفوضة بالكامل، لأن مهمة الحرس كانت دوماً قمع الحريات السياسية وتعقب المعارضين بين الطلاب والأساتذة. التأمين ممكن عبر شركات خاصة وتعاقدات محددة المهام والحدود، للحفاظ على هدوء الحرم الجامعى، أما خارج أسوار الحرم، فالمهمة هى مهمة الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية. خطوات خمس ضرورية لتجاوز محنة الجامعة المصرية الراهنة، وبدونها سيتواصل تآكل وانهيار الجامعة وخدماتها التعليمية والبحثية.