فى الأنظمة المَلَكية، ثمة نمطان من الحكم: 1- الملكى المُطلق، 2- الملكى الدستورى. فى الأول: الملك هو صاحب جميع السلطات فى الدولة: يصدر القوانين ويفسرها فتُنفَّذ. مثال هذا: لويس الرابع عشر، ملك فرنسا ق 17، الذى قال: «الدولة هى أنا». فى الثانى: الملك مُقيَّد بدستور يكتبه الشعب، لكن حينما يكتب الحاكم وأهلُه وعشيرته دستورَ البلاد ويُصدر قراراته منفرداً، يصبح ديكتاتوراً. والمصطلح مشتقٌّ من مفردة «Dictate»، أى: يُملى؛ لأن الديكتاتور يُملى قراراته دون استفتاء الشعب. وحين نعلم أن «مرسى» أصدر 400 قرار دون أن تُنشَر فى الجريدة الرسمية، يتحول النظامُ من الدستورى إلى الملكى المطلق، وإن تستّر كذباً فى عباءة الجمهورية. وهو ما تحياه مصرُ الآن فى عهد «الملك مرسى». ولا ينقصنا إلا أن يرث عرشَ مصر أحد أبنائه «المهذّبين»، لتكتمل الصورة الملكية المطلقة. أما حين نعرف أن «عاكف»، وليس «بديع» و«الشاطر» فحسب، يصدر تصريحات واجبة النفاذ، فإن بوسعنا أن نقول إن مصر يحكمها نظامٌ يستعصى على كبار فقهاء السياسة تصنيفُه: ملكىّ ديكتاتورىّ شمولىّ «سبهللىّ»، يشترك فيه أهل الديكتاتور وأبناؤه وذوو قرباه وأصدقاؤه من داخل مصر وخارجها فى الحكم، والشعب غارقٌ فى الجوع والغلاء وانقطاع الكهرباء والوقود والاقتتال الطائفى والتطاحنات الأهلية. وحين يصرّح «عاكف» بأن الإخوان أسياد المصريين (يعنى نحن عبيد الإخوان)، بعدما قال قبل عامين: «طز فى مصر»، ثم يُعلن: «لا مشكلة أن تكون حلايب وشلاتين تحت السيادة السودانية»، ثم تنشر الصفحة الرسمية ل«الحرية والعدالة» خريطة لمصر (الجمهورية سابقاً)، وقد اختفى منها مثلث حلايب وشلاتين (المصرية منذ آلاف السنين، وأعلن مبارك أنه لا يملك منحها لدولة أخرى؛ لأن مصر مش عزبة)، ثم تعلن الرئاسة السودانية أن «البشير» تلقى وعداً من مرسى بمنحه هذا المثلث عن طيب خاطر، فهذا يعنى أن هذا الديكتاتور قد ارتكب جريمة «الخيانة العظمى»، ويستوجب المحاكمة. هنا نتساءل: ما مفهوم الوطن لدى الإخوان؟ يجيب عن هذا شعارُ حسن البنّا، إمامهم الأكبر: «الإسلامُ دينٌ ودولةٌ ومصحفٌ وسيف». هنا نوقن أن مفهوم الوطن غائبٌ عن أدبيات الشخص «الإخوانجى». يؤكد هذا حوار «مرسى» مع الأستاذ هيكل؛ حيث قال الأخير: «مرسى كان مقتنعاً فى حديثه بالوحدة الإسلامية، بلا حدود للأوطان». وحين تخرج الرئاسة وتُنكر كعادتها، وتعتذر صفحة الحزب، كعادتها أيضا، نعرف أن المرشد يحكم مصر دون أن يتعلم كيف يحترم المصريين. يُطلقون بالونات اختبار ثم ينتظرون رد الفعل. فإن مرّت بسلام، فبها ونعمت، وإن ثار الناس، أنكروا واعتذروا. ينتظرون برهةً من الزمن، ثم ينفذون ما أرادوا. وهُنا، قطعاً، سيكون رد الفعل أقل وطأة؛ لأن طاقة الغضب الأولى قد نفدت. ويتم كل هذا مع خلفية «إلهائية»؛ حيث يُلهينا «مرسى» فى خُطبه الكوميدية، فننشغل بحديث «الأصابع والحارة المزنوقة والقرداتى»، بينما المرشد سادرٌ فى تقطيع «تورتة مصر»، وتوزيعها على قطر وغزة والسودان، وقريباً ليبيا. ونسمع «أبا الهول» يقول بالسودانية: «عوّاد باع أرضه، أقصد أرضنا، يا زول».