يتابع الموظف سامي محمد، باهتمام كبير زيارة وفد صندوق النقد الدولي؛ للتفاوض حول قرض ينقذ اقتصاد مصر المتراجع، لكنه قلق من ارتفاع جديد في الأسعار إذا أُبرم الاتفاق، بعد موجة غلاء جديدة نسبها إلى تعليمات هذه الهيئة المالية الدولية. تتفاوض مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض قيمته 4.8 مليار دولار تحتاج إليه كشهادة من المؤسسة المالية الدولية لاستعادة ثقة المستثمرين والمانحين من أجل الحصول على مزيد من الدعم المادي. وخلال الأشهر الخمسة الماضية التي شهدت مفاوضات الحكومة المصرية مع الصندوق، ارتفعت أسعار السلع الأساسية للمواطن المصري بسبب زيادة الحكومة للتعريفات الجمركية وزيادة أسعار الكهرباء والمياة والغاز. كما رفع الدعم تدريجيا عن المشتقات البترولية بدءا بالوقود عالي الجودة. ورفعت الحكومة قبل ثلاثة أيام سعر اسطوانة الغاز الذي يستخدم في المنازل والمطاعم، من 4 جنيهات (0.73 دولار) إلى 8 جنيهات (1.15 دولار)، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من المأكولات. لكن عمر عامر، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أرجع الأمر إلى محاولة الحكومة العمل على معادلة جديدة للإصلاح الاقتصادي يشكل الدعم محورها. وقال إن "الحكومة المصرية تريد أن تتأكد أن الدعم يصل مباشرة إلى مستحقيه"، وقال سامي (49 عاما) وهو موظف وأب لولدين، إن "زيادة الأسعار الأخيرة سببها الرئيسي التفاوض مع صندوق النقد الدولي". وأضاف بإحباط: "إذن الأسعار ستشتعل أكثر.. حال تم الاتفاق على القرض". وتابع الرجل، الذي كان يستقل حافلة نقل عام، ويتابع باهتمام تحقيقا صحفيا عن زيارة صندوق النقد في صحيفة حكومية "بالكاد أطعم أسرتي حاليا، كل شيء في مصر تضاعف ثمنه". أما المهندس محمد محمد (59 عاما)، وهو أب لثلاثة أولاد وكان يقوم بالتسوق، فقال: "لم أشتر أي سلعة بالثمن نفسه مرتين متتاليتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية". وأضاف أن "دخولنا ثابتة ومصاريفنا تزداد بسبب الأسعار"، متوقعا "مزيدا من الغلاء مع تنفيذ قرض صندوق النقد الدولي". وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل البقوليات والخضروات والفواكه واللحوم، وهو ما قلل من القوة الشرائية للمواطنين بشكل مؤلم، الأمر الذي زاد من حنق المواطنين وقلقهم بشأن مستقبلهم. ويعاني الاقتصاد المصري من تراجع حاد في واراداته الرئيسية المتمثلة في قطاع السياحة والاستثمار الأجنبي في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011. وتراجع احتياطي النقد الأجنبي من 36 مليار دولار إلى 13 مليارا فقط في غضون عامين، فيما يتزايد عجز الموازنة بشكل متسارع. وقلل الوضع الاقتصادي المتعثر من فرص مصر في الحصول على مساعدات وقروض دولية، بعدما واصلت مؤسسات التصنيف الائتماني تخفيض تصنيف مصر الائتماني. وتشهد مصر أحداث عنف واشتباكات بين متظاهرين والشرطة بشكل شبه متواصل منذ نحو خمسة أشهر، بسبب الأزمة السياسية بين الرئيس المصري محمد مرسي والمعارضة. وقال مجدي صبحي، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن "القرض بحد ذاته لن يحل الأزمة الاقتصادية، لكن مصر تحتاج إلى شهادة دولية بأن الوضع الاقتصادي مستقر، وأنها قادرة على رد قيمة أي قروض". وأشار إلى أن الاتفاق على القرض سيفتح الباب أمام قروض ومعونات تتجاوز ال 12 مليار دولار. وقال تقرير لمؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" للتحليل الاقتصادي، إن القروض الثنائية يمكن أن تشكل حلا للحكومة المصرية حتى تأمين قرض الصندوق. ووضعت دول أجنبية مثل قطر وتركيا والسعودية ودائع في البنك المركزي المصري لمساعدة الاقتصاد المصري. وبدوره، يعتقد الخبير الاقتصادي رشاد عبده، أن "نتائج وشروط الاتفاق مع الصندوق سيكون لها لعنات على المواطن المصري". وقال عبده: إن "الصندوق يشترط تخفيض عجز الموازنة وتخفيض قيمة العملة لضمان تسديد قيمة القرض المتفق عليه". وأضاف أن "الشرطين كارثيان، فتخفيض عجز الموازنة يأتي عبر تخفيض الدعم وزيادة أسعار الجمارك وتخفيض قيمة العملة يرفع من سعر الدولار"، متوقعا أن "يفاقم ذلك من الأزمة الاقتصادية". وتستورد مصر أكثر من 60 بالمئة من السلع الأساسية بحسب خبراء، ما يجعل أسعار تلك السلع ترتبط بسعر صرف الدولار. وانخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بشكل كبير منذ نهاية العام الجاري، ليصبح سعر صرف الدولار 6.83 جنيه بزيادة قدرها نحو 80 قرشا. وتوقع عبده، أن تفاقم نتائج القرض الأزمة الاقتصادية عبر "زيادة الأسعار وزيادة التضخم وزيادة البطالة". ويقول الخبراء، إن حل الأزمة السياسية وتوفير الاستقرار السياسي والقانوني والأمن سيساعد في حل الأزمة الاقتصادية بمنأى عن قرض الصندوق الذي قد يفاقم الأزمة.