خطآن.. واحد يقع فيه الإخوان، والآخر يكرره معارضوهم. الإخوان لا يرحبون بالنقد، ومعارضوهم لا يحسنون توجيه النقد لهم. الإخوان تنظيم صارم عاش تجارب تاريخية صعبة أجبرته على التقوقع على الذات والشك فى الآخرين، سواء فيما يقولونه أو يفعلونه، وليس سهلاً على جماعة خرجت من جرة السجون إلى مجرة الديمقراطية أن تنفتح على الواقع بسرعة أو تقرأ بحسن نية ما يسديه لها بعض خصومها من نصائح، لكن خصوم الإخوان أيضاً يقعون فى خطأ، يغلظون لها القول أحياناً بما يتجاوز النقد إلى التجريح.. وها نحن نرى عندما بدأ التجريح كيف انتهت الأمور فى الشوارع. النقد الفظ والتجريح البالغ يدفعان الإخوان إلى استنكار ما يسدَى إليهم من رأى، لكن هذا لا يعفيهم لو تدبروا من التفكر فيما يسمعون، وبعضه يفيدهم لو يعلمون. هناك أطراف مختلفة تؤذى الإخوان المسلمين، لكن لا يؤذى الإخوان المسلمين اليوم أحد أكثر من الإخوان المسلمين؛ فالجماعة تتمزق من الداخل وتُنهش من الخارج لسوء بالغ فى إدارتها. من الداخل انشقت عنها قيادات لها مكانتها التاريخية. وتمرد عليها شباب يطالبون بتغيير عميق فيها، كما أصبح لها حزب سياسى تارةً يكون إضافة لها وتارة يكون عبئاً عليها. هى تريد أن تقيده بأوامرها بينما السياسة تجبره على أن يتحرر من قيودها. خرج منها رئيس يحكم مصر، بات يتحمل أعباء فوق أعبائه بسبب انتمائه لها، ومن الخارج يتزايد النهش فيها كلما خرجت بجسدها إلى العلن. مظاهرات عنيفة تخرج وتحرق مقارها. رفض شعبى واسع لم تتوقعه الجماعة ربما طيلة حياتها. وتصميم من قبل حشود من المصريين على إبعاد المرشد عن الرئيس والجماعة عن السياسة، ناهيك عن ضغوط أمريكية وعربية وأوروبية ما زالت الجماعة تتحسس طرق التعامل معها. وبرغم هذه الضغوط تأخرت الجماعة كثيراً فى اتخاذ قرار كان واجباً عليها من زمان. آمل أن تتخذه، لكنى أشك أنها ترغب أصلاً فى التفكير فيه.. قرار تحل به نفسها بنفسها قبل أن يحلها القضاء أو تتحلل كأى جماعة سبقتها، وما أكثرها فى التاريخ. فالجماعة حركة اجتماعية كبيرة. قد يغريها حجمها وتنظيمها على رفض التفكير فى هذا القرار، لكن عجلة السياسة لا ترحم وصيرورة التاريخ لا تتوقف. حتى كبريات الحركات الاجتماعية تتفكك وتنهار متى اكتملت الظروف. الذكى منها هو من يسير مع التيار لا من يخاصمه ومن يقرأ المستقبل فيذهب إليه بدلاً من أن ينتظره فيفاجأ بقسوته. يخطئ الإخوان لو تصوروا أن السياسة يمكن أن تمارَس فى السر والعلن.. فطالما خرجوا إلى النور ليبقوا فى النور. الجزء الغاطس منهم فى الظلام يغضب الناس ويزيد حنقهم. وليس توفيق وضع الجماعة أو تسميتها بجمعية هو الحل. أكثر الناس رأوه تحايلاً وليس حلاً تم خلسةً فى عتمة الليل مع أنها الجماعة العظمى التى لم يكن أمر كهذا ليحدث إلا لو شابته عيوب. الجماعة استنفدت غرضها التاريخى. وهذا ليس عيباً أبداً وإنما دافع لأن تعيد النظر فى وجودها وهويتها. فقد ظهرت بعد اختفاء وتقلدت المسئولية بعدما حُرمت منها وخرج منها من يقود الوطن. والوطن له خصائص ومشاكل ومطالب غير خصائص ومشاكل ومطالب الجماعة؛ لذلك مطلوب من الجماعة أن تفكك بنيتها القديمة التى باتت عبئاً عليها وليس ميزة لها. والقرار يقيناً ليس بالسهل، لكنه ضرورى، إن لم تنظر فيه الجماعة بنفسها قد تحملها تقلبات الأيام إلى مصير مجهول، فلكل عصر شكل تنظيمى يناسبه. ومصر دخلت مع ثورة يناير إلى عصر يلفظ التنظيمات الحديدية المغلقة؛ لذا فالأنسب للجماعة أن تبادر بحل نفسها ليذوب من كانوا فيها فى المجتمع بأطيافه والدولة بمؤسساتها.