تامر النحاس: سعر حامد حمدان لن يقل عن 50 مليونا وصعب ديانج يروح بيراميدز    عصام الحضرى: مصر فى مجموعة صعبة.. والشناوى سيكون أساسيا أمام زيمبابوى    خالد صبحى على رادار الأهلى لتدعيم دفاع الفريق فى يناير    حادث تصادم بين فندقين عائمين في إسنا.. وإيقاف رخصة قائد إحدى البواخر    «لو معايا مسدس كنت قتلته بسهولة».. اعترافات قاتل صديقه وتقطيع جثمانه بالإسكندرية    هاني البحيري: يد الله امتدت لتنقذ أمي من أزمتها الصحية    أحمد العوضى: البيوت كالقبور.. ولا أحترم الرجل الذى يتحدث عن علاقاته بعد انتهائها    نجاح عملية معقدة لتشوه شديد بالعمود الفقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    بدون تدخل جراحى.. استخراج 34 مسمارا من معدة مريضة بمستشفى كفر الشيخ العام    قرارات حاسمة داخل الزمالك قبل الميركاتو الشتوي    سكك حديد مصر تنفي إنقاذ طفل لقطار ركاب بالمنوفية وتوضح ملابسات الواقعة    سيحا: أسعى لكتابة التاريخ في الأهلي.. والتواجد مع أفضل حراس بإفريقيا يمنحني دوافع    سلوكيات خاطئة تسبب الإصابة بالفشل الكلوي    تكريم الزميل عبد الحميد جمعة خلال المؤتمر السادس لرابطة تجار السيارات 2025    بعد 18 عاماً من الإشارة إليها فى «أخبار الأدب» |قريبًا .. السيرة الشعبية المفقودة للحاكم بأمر الله متاحة للقراء    وزير الثقافة يشهد ختام فعاليات الدورة العاشرة من "ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي" ويُكرم الفائزين ورموز الخط العربي    هنادي مهنى تنضم ل " اتنين غيرنا" في دراما رمضان    بوتين يصف اتفاقية الحدود بين دول آسيا الوسطى بالتاريخية    مغادرة 388 شاحنة مساعدات إنسانية من معبر رفح لدعم قطاع غزة.. صور    نشأت الديهي عن صفقة الغاز مع إسرائيل: لست سعيدًا بها.. لكننا قمنا بما هو واجب    الصحة: إغلاق 11 مركزًا للنساء والتوليد بسبب مخالفات تهدد سلامة الأمهات    الصحة توضح أسباب اعتداء الطلاب على زميلهم في أكتوبر    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد مباريات الأحد.. أرسنال يتفوق على السيتي    رئيس الإمارات يلتقي إيلون ماسك    نوعية بنها تنظم معرضا لتقييم التدريب الميداني لمشروعات طلاب الإعلام    فلكية جدة: هلال رجب يزيّن سماء الوطن العربي    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    قناة ON تنقل قداس عيد الميلاد من مصر وبيت لحم والفاتيكان    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات المبادرة الرئاسية" سكن لكل المصريين" بعددٍ من المدن الجديدة    مصر تتقدم 47 مركزًا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2025 الصادر عن البنك الدولى    حفل توقيع كتاب "وجوه شعبية مصرية" بمتحف المركز القومي للمسرح.. صور    جامعة العاصمة تنظم معرضا متكاملا بالتعاون مع محافظة القاهرة    تعليم الغربية: عقد لجنة القيادات لتدريب 1000 معلم لقيادة المدارس كمديرين    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    محمود توفيق يبحث مع وزير الحج والعمرة السعودي أوجه التعاون بين البلدين    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    تشكيل برشلونة - جارسيا في الوسط بدلا من بيدري.. وتوريس يقود الهجوم ضد فياريال    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    توجيهات الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزير المالية (إنفوجراف)    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    انطلاق الإثارة في أمم إفريقيا 2025.. المغرب يواجه جزر القمر في افتتاح المجموعة الأولى    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نص كلمة شيخ الأزهر خلال افتتاح الجولة الرابعة من الحوار بين حكماء الشرق والغرب بأبوظبي

ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كلمه منذ قليل، خلال افتتاح الجولة الرابعة من الحوار بين حكماء الشرق والغرب بأبوظبي جاء نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
غبطة رئيس الأساقفة/ جستون ويلبي.
السادة الحكماء من الغرب والشرق.
الحضور الكريم:
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.. وبعد؛
فلعلَّ اجتماعَنا اليوم هو أوَّلُ اجتماعٍ من نوعهِ ينعقدُ في الشَّرقِ العربيِّ، وتحديدًا في دولةِ الإمارات، تِلكُم الدَّولَة التي صارت بفضلِ قيادتها الرَّشيدة، وحِكمةِ القائمين على أمورِها، نموذجًا يُقتدى به في الانفتاح المتوازن والتطوُّر المحسوب بدقَّةٍ، والجمع بين القديم والجديد، والأصالة والمعاصرة، والتُّراث والحداثة، في انسجامٍ دقيقٍ، وتناغُمٍ يقِلُّ نظيرُه في نماذج الدُّوَل التي تحاولُ أنْ تأخذ طريقها نحو الرُّقي والنُّهوض.
وما أظنُّ أنَّ تاريخَنا العربي المُعاصر سبق أن سجَّل لقاءً بين حُكَمَاء المسلمين وحكماء المسيحيين من أتباع الكنيسة الإنجيليَّة، وفي ظِلِّ اجتماعٍ مُحَدَّدِ الأهدافِ والغاياتِ، كاجتماعِ اليوم الذي نعوِّلُ عليه كثيرًا –بعد الله تعالى – في اتخاذِ خُطوةٍ جديدةٍ على طريقِ بناءِ عالَمٍ متكامِلٍ ومتفاهِمٍ، للعملِ من أجلِ تخفيفِ ما يُعانيه الناسُ –اليوم-من رُعبٍ وألم ودماء وحروب.
وأظنكم أيُّها السادة الحكماء تَتَّفِقُونَ معي في أنَّ أكثرَ المآسي التي باتت تُعاني منها البشريةُ اليوم إنَّما مرَدُّها إلى شيوعِ الفكرِ المادي، وفلسفات الإلحاد، والسياسات الجائرة التي أدارت ظهرَها للأديان الإلهية، وسَخِرَت منها ومن تعاليمها، ثم أخْفقَت إخفاقًا كبيرًا في توفير بدائل أخرى غير الدِّين، تُحقِّق للإنسان قَدْرًا من السعادة، أو أملًا في حياةٍ ذات مغزى وهدف، أو تضمَن له حقوقًا كالتي تضْمنُها له الأديان الإلهيَّة، وفي مقدمتها: حقُّ العدلِ والمُساواةِ، وحقُّ الحريَّة وحقُّ الاختلافِ.
وإنِّي لا أرتاب -أيُّهَا السيِّداتُ والسَّادَة -في أنَّ البشريةَ باتت تتطلَّعُ اليومَ -وبشغفٍ شديدٍ-إلى العودةِ لجوهرِ الأديانِ الإلهيَّةِ، وتعاليمِها الإنسانيَّةِ والخُلُقيَّة، بعد أن جرَّبت الكثيرَ والكثيرَ مِمَّا كادَ يُشْرِفُ بها على هلاك مُحقَّقٍ ودمارٍ شاملٍ، وبعد أن استبدَّت هذه التجارب بمصائر الشعوب وحقوقها ومُقدَّرَاتها، ورهنتْها بسياسةِ القُوَّة والغطرسة وفلسفة التوسُّع، وشهوة التسلُّط، وجموح الفرديَّة والأنانية.
وقد اعتقدَ الناسُ في القرنين الماضيين أنَّ التقدُّم العلمي، والتطوُّر التِّقَنِي والفلسفي، قد أنهى دور الأديان في الحياة، وأحالها إلى متحف التاريخ، وأنَّ التطوُّرَ في كل هذه الميادين أصبح هو الأجدر بقيادة الإنسانيَّة، وتولِّي مسؤولية تهذيبها وترقيةِ شعورِها، وكَبْحِ نوازعِ الشَّرِّ في أبنائها. غيرَ أنَّ الواقعَ كان يُكذِّبُ هذا الحُلُمَ الجديدَ أوَّلًا بأوَّل، ويُحْبِطُ ما تعلَّق به من أوهامٍ، وَهْمًا تِلْوَ الآخَرِ، وقرأنا في كُتبِ الكثيرين منهم أن « القرن التاسع عشر –مثلًا- إذا كان قرنَ المباحثِ العِلميَّة وفلسفات التطوُّرِ، فقد كان أيضًا قرن التوسُّع في الاستعمار، وتوظيفِ العِلْم والالتواءِ به لتحقيق مصالح المُستَعْمِرين وأطماعهِم السياسيَّةِ، حتى زعم عُلَمَاءَ هذا القرن ومُفَكِّرِوه أنَّ الأجناسَ البشريَّة، لا ترجِعُ إلى أصلٍ إنسانيٍّ واحد كما تُقرِّر الأديان المُقدَّسة، بل إلى أُصُولٍ عِدَّةٍ مختلفةٍ، راحوا يلتمسونها في القِرَدَة العُليا وغيرها من الحيوانات.. ثُمَّ بنَوا على هذه المزاعم نظريات أخرى تُفرِّقُ بين الناس، وتُصَنِّفهُم على أساسٍ من اللَّونِ والعُنصرِ، وظهرت نظريةُ الجِنْسِ الآري التي تؤكد على امتِيَازه على سائرِ الأجناسِ الأخرى، وأنَّه وحده صاحب الفضل في كل الفتوحات العلميَّة والثقافيَّة والحضاريَّة».. إلخ ما تعلمونه حضراتُكم من تاريخ هذه النظريات المنسوبة للعلم، والتي كانت تُصنع صُنْعًا، ثم تُطرح لتبريرِ سياسات الاستِعمار والتسلُّط والاسْتِقواء على الآخرين، ضاربة عرض الحائط بما اتفقت عليه الأديان الإلهيَّة في قضية خلق الإنسان خلقًا مستقلاً، وبما تقرره في نصوصها المقدسة من أن قضية بدء الخلق ستظل –مهما تقدَّم العلم وتطوَّر- قضية (ميتافيزيقية) لا ينالها العلم ولا التجربة ولا المعامل ولا المختبرات، وصدق الله العظيم في قوله: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}(الكهف:51).
ولم يكن القرن العشرون بأسعد حالًا من سابقه، فقد وقعت فيه حربان عالميتان راح ضحيَّتَهُما أكثرَ من سبعين مليونًا من القتلى، ولم يكن للدِّينِ بهما صِلَةٌ ولا سَبَبٌ، بل كانت نزعات العِرق والتفوق العنصري في أوروبا من أهم أسبابهما.. وبعد هاتين الحربين سُرعان ما ظهر سلاحُ الرَّدع النَّووي كرعبٍ عالميٍّ يتهدَّدُ البشرية صباحَ مساءَ.
ثُمَّ أطَلَّ القرن الواحدُ والعشرون بسياسةٍ استعماريةٍ جديدةٍ، شديدةِ العُنفِ والقَسْوةِ، أصابكم منها في الغرب ما أصابكم، غير أنَّا –نحن العرب والمسلمين-نعيشُها هنا في الشرق واقِعًا حيًّا مَمْزُوجًا –كل لحظة-بالترابِ والدَّمِ والدُّموعِ والخرابِ، ولَمْ يَعْدِم هذا الاستعمارُ الجديدُ من يُفلْسِفُ له النَّظَريَّات الَّتِي تُبَرِّرُ سياساتِه، كنظريَّةِ صِراع الحضارات ونهاية التاريخ والفوضى الخلَّاقة ونظرية المركز والأطراف.
وما أُريدُ أن أخْلُصَ إليه باختصارٍ، خوفَ الإطالةِ والإملالِ، هو أن التقدُّم العلمي المذهل –ولسوء الحظ-لم يواكبه تقدم موازٍ في الأخلاقِ، وأنَّ التطوُّرَ التِّقني –وبخاصةٍ في مجالِ صِناعة الأسلحة الفتَّاكةِ- جاءَ خَالِيَ الوِفَاض من كل القيم التي تضبط خُطواته في الاتِّجَاه الإنساني الصَّحيح، ولُوحِظَ أنَّ الحروبَ يَزدادُ سَعيرَها وتشتدُّ وطأتُهَا كُلَّمَا ترقَّى العلم في سلم التطور، حتى صار التقدُّم العلمي واندلاع الحروب كأنهما حلقتان مترابطتان، يدعم كل منهما الآخر ويقويه.. وقل مثل ذلك فيما يتعلَّق بالتقدم والتطور الذي حدث في ميادين الفلسفة والأدب والاجتماع والفنون، فقد تطوَّرت هي الأخرى بعيدًا عن فلسفة الدِّين، وفي غَيْبَةٍ من قواعدِ الأخلاقِ، وفي استخفافٍ ساخرٍ من الأنظارِ العقليَّة المُجرَّدة، ومن الميتافيزيقا وفي تقاطُع مُتعَمَّد مع التُّراث الإنساني وكنوزِه الدِّينيَّة والفلسفيَّة، فجاءت هذه النظريات الحديثة وإثمها أكبر من نفعها.
أيُّها الإِخوة الأعزَّاء!
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ! وما أشبهَ مؤتمرَنا هذا بمؤتمرٍ عالميٍّ للأديان عُقد في لندن عام 1936م، وأسهم فيه شيخُ الأزهرِ حينذاك «الشيخ/ محمد مصطفى المراغي» برسالة بعث بها إلى المؤتمر بعنوان: «الإخاءِ الإنساني والزَّمالةِ العالميَّةِ»، وقد هالني هذا التَّشابُه –أوَّلًا- بين القلق الذي كانت تعيشه أوروبا في ذلكم الوقت، والقَلَق الذي يعيشه عالمنا الآن، وثانيًا: هذا التشابُه في عناوينِ الرسائل بين الأمسِ البعيدِ واليوم الحاضر، فرسالةُ الشيخ كانت تبحثُ عن الإخاء الإنساني والسَّلام العالَمي، وهو المضمونُ نَفْسُه الذي تبحث عنه رسالتنا اليوم، وهي تتطلَّع إلى عالَمٍ مُتكامِلٍ متفاهم.. وأكبرُ الظَّنِّ عندي أنَّ ما انتهت إليه رسالة الأزهر في مؤتمر لندن سوف يضيء لنا الطريق فيما سينتهي إليه لقاء أبو ظبي اليوم.
ويُحْسَبُ لهذه الرسالة أنها في الوقت الذي كان فيه الناس في الغرب يتشاءمون إذا بدأ صباحهم برؤية رَجُل الدِّين، أَعْلنَت هذه الرسالة في قلب أوروبا كلها ألَّا مخرج للعالَم مِمَّا هو فيه إلَّا بالتديُّن والاعتصام بالدِّين.. وأن علة السقوط الحضاري في عصر ازدهار العلم ليس هو الدين كما استقر في أذهان الناس، وإنما هو الإلحاد والاتجاهات الفلسفية المادية، وهذا النظر النقدي لم يكن أمرًا يَجْرُؤ على التفوه به كثيرون من قادة الفكر والإصلاح، بل كان من أصعب الصعب –في ذلكم الوقت -توجيه نقد عميق لأخلاقية العلم في عصر ازدهاره وقِمَّة توهُّجِه، كما لم يكن من السهل أن تُنتقد الفلسفات الوضعية، ويُحذَّر من افتتانِ العقول بها، ومن سيطرتِها على النظريَّات السياسيَّة والاجتماعيَّة، بل على التفكير الديني نفسه؛ حتى اضْطُرَّ بعضٌ من رجالِ الدِّين المسيحي، والعُلَمَاء المسلمين أيضًا، إلى اللُّجوء لمحاولات التوفيق أو التلفيق بين النصوص الدينية المُقدَّسة، وبين ما يعارضها من أنظار العلماء والفلاسفة، حتى لو كانت هذه الأنظار مُجرَّد احتمالات لم تصل -بعدُ-لمرتبة القانون العلمي وتتمتع بما يتمتع به من يقينٍ وثبوت. وكثيرًا ما جاءت هذه الفلسفة التلفيقية على حساب النصوص المقدسة ودلالتها الواضحة، وبدا لكثيرين آنذاك أن الدين يلفظ أنفاسه الأخيرة أو يكاد..
ولم يتردَّد الشيخ في أن يعلن في رسالته أنه لا دواء لهذا السقوط إلَّا في «التديُّن والشعور الدِّيني»، الذي يصفه بأنه غريزة ثابتة في فِطْرةِ الإنسان، وأنَّه أقوى تأثيرًا في قيادةِ الإنسانيةِ نحو السَّلامِ والعَدْلِ والمُسَاواةِ، من كلِّ نوازعِ الإلحادِ الدَّافعة إلى فساد المجتمع الإنساني.. ويتوقَّع الشيخ اعتراضًا من الملحدين ومن على شاكلتهم من الساخرين بالأديان مؤداه: أنَّ التاريخَ حافلٌ بمآسٍ وكوارثَ إنسانيَّة «كان فيه الشعور الدِّيني قُوَّة طائشة دفعت إلى عنفٍ، وتدميرٍ مُرَوِّعٍ»، وهذا الواقع المحزن صحيح -فيما يرى الشيخ-، لكنه يبين أنَّ هذه الذكريات المُرَوِّعة ليس سببها الدين، فليس في طبيعة أي دين من الأديان الإلهية ما يؤدي إلى أيَّة مأساةٍ من هذه المآسي التي تُحْسَبُ عليه، وأنَّ السَّبَب الحقيقي من وراء هذه المآسي هو استغلال الشعور الديني، وتوظيفُه في واقع منحرف، وتحقيق أغراض يرفضها الدين نفسه، بل ينكرها أشد الإنكار..
من هُنا–أيُّها الإخوةُ والأخوات! - يَبْرُزُ الدَّور الخطير المُلقي على عاتقنا نَحْنُ -عُلَمَاءَ الدِّين ورجالَه - قبلَ غيرنا، لتدارك هذه الأزمة التي يَختَنِقُ بها العالَم اليوم، وطريق ذلك: أن الأخوَّة العالميَّة التي راودَت أحلامَ الأزهرِ في ثلاثينيات القرن الماضي، ولازالت تراودُه حتى هذه اللحظة، تبدأ من الأخوَّة بين رجالِ الدِّين أوَّلًا، أو كما يقول اللاهوتي الكبير/هانز كينج: «لا سَلام للعالَم بدون سلام ديني»، وعليه فإن علماء الأديان –اليوم- إذا كانوا ينتوون القيام بدورهم في التبشير بالسلام العالَمي، وإحلال التفاهم محل الصراع، وتحقيق آمال الناس في عالَم مُتكامِلٍ متفاهم - فعليهم أن يحققوا السلام والتفاهم بينهم أوَّلًا، حتى يُمكنَهم دعوة الناس إليه.. وهذا ما حَرَصَ الأزهرُ أن يتحرَّكَ في إطاره، حين بدأ أولى الخطوات العملية على هذا الطريق الطويل بزيارة رسمية لكنيستكم الموقَّرة: كنيسة كنتربري، وسعدنا كثيرًا –غبطة الآرش بيشوب !- باستضافتكم الكريمة لوفد الأزهر في قصر لامبث العامر خلال الفترة من 9-12يونيو 2015م. ثم جاءت خطوة الأزهر الثانية باتجاه حاضرة الفاتيكان وزيارة البابا فرنسيس، في 23 مايو 2016م، ثم كانت الرحلة الأزهرية الثالثة باتجاه مجلس الكنائس العالمي بجنيف، خلال الفترة من 30 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2016م، وأتوقَّع –بمشيئة الله تعالى-أن تسهم هذه الزيارات كثيرًا في تخفيف آلام الفقراء والبائسين والمحترقين بنيران الحروب العبثية، والسياسات المنحرفة عن جادة الدين والخلق والضمير.
وها نحن نجتمع اليوم في مدينة أبو ظبي اجتماعَ الحكمة والأخوة والمودَّة، نستلهم العون من الله تعالى، ونتأسى بالأنبياء والمرسلين في اعتمادهم على الله، وتَحَمُّلِهم ما لا تَحْتَمِله الجبال الراسيات من أجل إنقاذ المجتمع الإنساني من الضلال، ووضعه على طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
أيُّهَا الضيوف الأَعِزَّاء!
إذا كان لي من أملٍ في لقائنا هذا فهو الرجاء في أن ننسى الماضي وما يبعثه هذا الماضي من كراهية وضغائن، وأن ننظر إلى الأمام، وأن نتيقن أننا لسنا مسئولين أمام الله تعالى عما مضى، بل –وبكل تأكيد-سوف يسألنا عن زمننا هذا الذي نعيش فيه وعن واجبنا تجاهه، وعن أمانتنا التي اؤتُمِنَّا عليها نحو خَلْقِ الله وعِيَالِه. وكلي يقين أن كلًا مِنَّا يحمل بين جنباته عزيمة صلبة ويقينًا ثابتًا، وأملًا لا محدودًا في أن جهودنا المشتركة سوف تؤتي ثمارها يانعة في المستقبل القريب بإذن الله.
وأختم كلمتي إليكم بأن الإسلام الذي أَعْتَنِقُه دينًا –أيها السادة-يُرَحِّبُ أوسَع الترحيب بأيِّ جهدٍ يُبذَل من أجلِ إسعاد إنسان، أو رحمة بحيوان، أو حماية لنبات أو جماد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.