قبل الثورة كان البسطاء من المصريين بعيدين تماماً عن السياسة، صامتين عما يحدث حولهم، لا يعبرون -ولو بالكلام- عن آرائهم، وبعد الثورة اختلف الحال، فمن كان صامتاً أصبح كثير الكلام، ومن ليست له علاقة بالسياسة أصبح يعبر عن رأيه فى لافتة يعلقها على باب منزله أو محله أو فى وسط الشارع الذى يسكنه. ليست مقصورة على ميدان التحرير، ولا مرتبطة بأيام الدعاية فى الانتخابات فقط، فاللافتات أصبحت جزءاً من حياتنا، تجدها معلقة فى كل مكان، يعبر صاحبها عن رأى شخصى فيما يحدث حوله. فإذا كان ال«فيس بوك» هو حائط التعبير عن آراء الشباب ممن يمتلكون أدوات التكنولوجيا، فإن اللافتات صارت حائط البسطاء للتعبير عن آرائهم. «ممنوع دخول الإخوان والفلول وولاد أبوإسماعيل».. لافتة من القماش وضعها صاحب محل فاكهة فى منطقة حلوان للتعبير عن غضبه من المشهد السياسى بأكمله رغم ثقافته المتواضعة للغاية. «يا شعب الثورة بتضيع».. استغاثة أطلقها صاحب محل لبيع السجاد فى المعادى من خلال لوحة باللمبات النيون لجذب انتباه المارة من حوله كمحاوله منه لإنقاذ الثورة، لكن بطريقته الخاصة. «يا خسارة عليك يا شعب».. رأى لم يكتبه صاحبه فى صورة تعليق على «فيس بوك»، بل كتبه فى لافتة علقها على عمارته فى ميدان الجلاء ليعبر عن غضبه من نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. الرأى نفسه عبر عنه مواطن آخر فى لافتة كتب عليها: «30 سنة بناكل فول.. وآخرتها إخوان وفلول». لم تقف الفضفضة على الطريق العام عند حد التعبير عن الرأى، بل استخدمت لغة التهديد والوعيد فى اللافتات، ومنها اللافتة التى علقها أبناء حى الأربعين بالسويس التى كتبوا فيها: «هنمنع دخول الخونة السويس»، وذلك بعد سفر 8 من أسر شهداء الثورة إلى إيران لتكريمهم هناك. الدكتور محمد محمود نجيب، أستاذ علم النفس السياسى بجامعة حلوان، يرى أن لغة اللافتات هى نتيجة طبيعية لأفراد عاشوا فى كبت لآلاف السنين، ثم أتيحت لهم فرصة للبوح بما فى صدورهم، فأخذوا يعبرون عنها بما يتوافق مع ثقافتهم وأيديولوجياتهم. المشكلة تكمن -حسب رأى نجيب- فى أن الظاهرة أخذت طابعاً فردياً، وأصبح كل شخص فى اتجاه معاكس للآخر، رغم أنهم جميعاً كانوا فيما مضى يجمعهم هدف واحد، مما أضعف الهدف وشتت طرق تحقيقه، مثل ائتلافات الثورة التى أخذت أعدادها تتضاعف حتى أصبحت بلا قوة حقيقية.