أحياناً ما تتورط الأحزاب السياسية ويتورط أيضاً ممارسو السياسة فى خطيئة توظيف معايير مزدوجة عند تقييم قضايا أو بناء مواقف، وعادة ما تكون حسابات المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة هى الدافع للتورط فى الخطيئة هذه التى ترتب فقدان بعض المصداقية الأخلاقية والشرعية السياسية. أما عندما تتحول المعايير المزدوجة إلى أساس وحيد لتقييم القضايا وبناء المواقف، تصير السياسة وأحزابها وممارسوها فاقدة لكامل المصداقية والشرعية وتبتعد عنها قطاعات شعبية واسعة يأساً وإحباطاً. ووضع كهذا هو الذى نعيش معه اليوم فى مصر. تتظاهر الأحزاب والقوى الوطنية الليبرالية واليسارية سلمياً للاحتجاج على سياسات وممارسات الحكم الإخوانى، وتطالب الإخوان وأحزاب اليمين الدينى بالابتعاد عن ساحات التظاهر منعاً للمواجهات وللعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة بعد اعتداءات جمعة كشف الحساب (بعد مرور 100 يوم على رئاسة الدكتور محمد مرسى). ثم تدعم بعض هذه الأحزاب والقوى الليبرالية واليسارية تظاهرات باتجاه المقر العام للإخوان ومكاتبها الأخرى دون اتساق مع ما طالبت هى به من قبل بشأن الابتعاد عن المواجهات واحتمالية العنف فى ساحات تظاهر مشتركة. نعم يحق لكل مصرية ولكل مصرى التظاهر السلمى ولا يوجد ما يحول دستورياً وقانونياً دون التظاهر أمام المقر العام للإخوان أو أمام مكاتبها. إلا أن مصر ليست سويسرا وبها بيئة مشتعلة وقابلة للعنف، ولذا أحسب أن الاتساق مع معايير واضحة ومراعاة المصلحة الوطنية والحيلولة دون العنف وانتهاكات حقوق الإنسان كان يحتم الابتعاد عن دعم تظاهرات باتجاه مقار الإخوان والاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان بتظاهرات ووقفات ومسيرات فى أماكن أخرى. تتكرر أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والعنف المفرط من قِبل الأجهزة الأمنية طوال العامين الماضيين، بل وتتورط بها عناصر منتمية لجماعة الإخوان المسلمين أمام «الاتحادية» وأمام مقرها العام منذ أيام (الاعتداءات على المتظاهرين وبعض الصحفيات والصحفيين). كل هذا وجماعة الإخوان تصمت وتصمت ولا تعتذر أو تبرر انتهاكات حقوق الإنسان وتمارس الاستعلاء على الرأى العام المصرى ولا يبدى الرئيس المنتخب المنتمى لها إرادة حقيقية لكشف الانتهاكات ووقفها ومساءلة ومحاسبة المتورطين بها إن أمام «الاتحادية» أو فى بورسعيد. ثم تقوم قائمة ذات الجماعة وحزبها بعد أحداث الجمعة الماضى المرفوضة والمدانة بالكامل ويتحدث ممثلوهما عن ضرورة مساءلة المتورطين فى العنف. الآن فقط وبمعايير مزدوجة لا تتناول تورط عناصر الجماعة، يتحدثون عن عنف وانتهاكات، والاتساق مع معايير واضحة ومبدئية نبذ العنف والدفاع عن حقوق الإنسان كان يلزم برفض «ماسبيرو ومحمد محمود والاتحادية وصفعة ميرفت موسى» والمطالبة بالتحقيق بها جميعاً قبل رفض عنف الجمعة الماضى. ويتواصل التورط فى خطيئة ازدواجية المعايير من قوى تدعى الديمقراطية والدفاع عن الدولة المدنية وتطالب فى ذات الوقت بتدخل الجيش فى الحياة السياسية، ومن أحزاب يمين دينى تدعى التزامها ببناء المؤسسات وصندوق الانتخابات ولا تفكر بموضوعية فى خطورة غياب العدالة عن قواعد العملية السياسية التى بها تبنى المؤسسات وفى إطارها تجرى الانتخابات. لازدواجية المعايير الكثير من الدروب فى السياسة المصرية، وهى آفة الآفات التى تفقدها المصداقية الأخلاقية والشرعية السياسية.