قبل أيام، اعتدت عناصر منتمية لجماعة الإخوان المسلمين على مواطنات ومواطنين تظاهروا أمام مقرها العام، وكان بينهم صحفيات وصحفيون. فى حينها، انتقدت هذه الاعتداءات ووصفتها بكونها انتهاكات لحقوق الإنسان وطالبت بتفعيل سيادة القانون ومحاسبة المتورطين بها. فى حينها، نظمت نقابة الصحفيين وقفة سلمية للاحتجاج على «صفعة» ميرفت موسى وغيرها من الانتهاكات وقدم مجلس إدارة النقابة المنتخب بلاغاً للنائب العام مطالباً بالتحقيق والمحاسبة. فى حينها، كتبت وكتب غيرى عن خروج جماعة الإخوان على القانون وتجاوزها لسيادته عبر ممارسات عناصرها، وطالبت بتقنين وضع الجماعة التى تحكم مصر وهى جماعة غير شرعية. فى حينها، حذرت من التورط فى عنف مضاد كرد فعل لعنف الإخوان وانتهاكهم لحقوق الإنسان وأكدت أن السبيل الأفضل لمواجهة تجاوزات الإخوان هو التزام السلمية الكاملة ونبذ العنف والإصرار على تطبيق القانون. كذلك رفضت شخصياً الدعوة إلى أو المشاركة فى تظاهرات الجمعة الماضى أمام المقر العام لجماعة الإخوان، مع التأكيد على حق المواطنات والمواطنين فى التظاهر السلمى وضرورة تأمينهم. الآن، وبعد أحداث العنف الجمعة الماضى، أجد لزاماً علىّ التشديد بوضوح ودون لبس على النقاط التالية: 1- دوائر العنف والعنف المضاد، التى تورطت بها أمام مقر الإخوان وفى محيطه بمنطقة المقطم عناصر من المتظاهرين وكذلك عناصر من الإخوان، مرفوضة تماماً وتشكل خروجاً واضحاً على القانون ولا مبرر لها، لا سياسياً ولا مجتمعياً ولا إنسانياً. ولا مبرر أيضاً لصمت ممارسى السياسة والشأن العام الآن وابتعادهم عن نبذ العنف خوفاً من غضب البعض أو مزايدة البعض، فدور السياسى الباحث عن الصالح العام يلزمه بأخذ الواضح من المواقف وتحمل تبعاتها. 2- لا مبرر للعنف ضد مواطنين أو ضد منشآت خاصة أو للتورط فى حروب شوارع، والربط بين هذا الخروج المنظم على القانون وبين أهداف سياسية كالاحتجاج على الانتهاكات التى قامت بها عناصر الإخوان قبل أيام أو على دور الجماعة فى حكم أو على وضعيتها غير الشرعية يضر بتلك الأهداف السياسية ويفقدها المصداقية. سبيل الاحتجاج على الانتهاكات هو التزام السلمية والضغط من أجل تطبيق القانون، وليس حروب الطوب والمولوتوف واقتحام مكاتب الإخوان. سبيل الاعتراض على تدخل الجماعة فى الحكم وغيابها عن الشرعية وعدم مراقبة الدولة لأفعالها وأموالها هو الضغط المستمر لتقنين أوضاعها ولكشف خباياها عبر الأدوات القضائية المتاحة، وليس تعبئة المواطن للتظاهر أمام مقر ومكاتب الجماعة وتفجير الأوضاع بالابتعاد عن السلمية. 3- ينطبق ذات الأمر على تبرير العنف ضد مواطنين وترويع آخرين عبر كمائن سرية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بادعاء الدفاع عن المنشآت الخاصة بالجماعة، وهو ما تورطت به عناصر من الإخوان الجمعة الماضى. احترام سيادة القانون كان يقتضى ترك مهمة تأمين المقر والمكاتب للأجهزة الأمنية والابتعاد التام عن دوائر العنف والعنف المضاد. 4- الأطراف المتورطة فى العنف تدفع مصر، بوعى أو فى ظل غياب للوعى، نحو نقطة اللاحكم وانهيار العملية السياسية وتفتت الدولة. نعم تنتج عوامل كغياب العدالة عن قواعد العملية السياسية وسوء أداء الحكم الإخوانى قابلية البيئة المصرية للعنف وترفع منسوب الصراع، إلا أن أعمال العنف بدورها تعجل من انهيار العملية السياسية والدولة. نحن فى دائرة شيطانية ومسئوليتنا الوطنية تحتم علينا العمل على نبذ العنف وتعديل قواعد السياسة وحماية الدولة فى آن واحد. 5- تواتر أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتعامل معها باستخفاف وبخطابات تبريرية فاسدة يغير من الحالة المزاجية والحالة النفسية الجماعية للمصريات وللمصريين. لم يعد يصدمنا القتل والسحل والحرق والتدمير، ولم نعد نتوقف لنرفض أخلاقياً وسياسياً ومجتمعياً خصخصة تطبيق العدالة (كل على هواه) وتعميم ثقافة الثأر والانتقام فى المجتمع. مصر تنزلق إلى أوضاع مشابهة للدول التى اشتعلت بها الحروب الأهلية، ونخب السياسة تتهم أو تصمت وتتوارى أو تتجاذب وفى جميع الأحوال تعجز عن حماية مصر والمباعدة بينها وبين مخاطر الانهيار والفوضى. 6- مجدداً أؤكد أن الملاذ الوحيد هو نبذ العنف والشراكة الوطنية لتعديل قواعد العملية السياسية وتحقيق الإنجاز للمواطنات وللمواطنين، وليس العنف والعنف المضاد أو العنف وعدم الاستقرار لدفع الجيش للتدخل فى السياسة أو العنف لإقصاء الطرف الآخر. فكل هذه أوهام وأفكار كارثية لن ترتب إلا القضاء على الوطن.