شكّل الفيلم الغنائى أحد الملامح الرئيسية فى السينما المصرية منذ أول فيلم روائى طويل غنائى «أنشودة الفؤاد» إخراج ماريو فولبى عام 1932 بطولة المطربة نادرة التى غنت من كلمات خليل مطران وألحان زكريا أحمد عددا من الأغنيات فتحت الباب لمئات الأفلام التى لعب فيها الغناء دوراً أساسياً وقدمت إلى الجمهور العديد من المطربين والمطربات منذ ذلك التاريخ حتى الآن.. ويمكن القول إن تاريخ السينما فى مصر، فى جانب كبير منه، قد ارتبط ارتباطاً وثيقا بالفيلم الغنائى الذى بات، خاصة من الثلاثينات حتى ظهور التليفزيون، هو الوسيلة الوحيدة التى يُطل منها المطربون والمطربات على الجماهير، وأكد معظمهم شهرته عن طريق هذه الأفلام مثل محمد عبدالوهاب الذى كان أول مطرب، بعد «نادرة»، يلعب بطولة فيلم غنائى «الوردة البيضاء» إخراج محمد كريم عام 1933، وهو الفيلم الذى افتتح به الباحث والناقد الدؤوب محمود قاسم إصداره الجديد «موسوعة الأغنيات فى السينما المصرية» بجزءيها الأول والثانى فيما يربو 1750 صفحة تقريبا احتوت بيانات وكلمات الأغانى والأوبريتات والمونولوجات والإسكتشات التى تضمنتها الأفلام المصرية من عام 1933 حتى 1949. وهو عمل غير مسبوق يسد نقصاً واضحاً وفاضحاً فى المكتبة السينمائية المصرية، لم ينتبه إلى ضرورته أى من النقاد والباحثين، ربما عجزاً عن إنجازه، أو استخفافاً غير مبرر بالمادة رغم أهميتها، فالموسوعة تكشف عن تلك العبقريات التى أضاءت شاشة السينما وأبهجت عشاقها فى مجالى التأليف والتلحين.. «ويمكننا أن نتعرف من خلال هذا الجهد الموسوعى على دواوين كاملة لشعراء أمثال فتحى قورة ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وبيرم التونسى وإسماعيل الحبروك وغيرهم».. كما ورد فى التقديم الموجز للأستاذ طارق هاشم فى صدر الموسوعة، ونضيف أسماء بديع خيرى وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل وأمير الشعراء أحمد شوقى ومأمون الشناوى وصالح جودت وآخرين كثيرين، إضافة إلى أسماء كبار الملحنين كعبدالوهاب وزكريا أحمد وأحمد صدقى والقصبجى والسنباطى ومحمود الشريف ومحمد فوزى وفريد الأطرش وغيرهم من الذين أثروا التراث الغنائى العربى من كبار الملحنين. تُلقى الموسوعة الضوء على تراث تم إهماله وتحتشد بمعلومات قد تبدو جديدة أو لم يلتفت إليها أحد مثل قيام الفنانة بهيجة حافظ بتلحين كل أغنيات فيلم «زهرة» التى كتبها حسين حلمى المانسترلى والفيلم من إنتاجها وإخراج حسين فوزى وكمال أبوالعلا 1947، وهى أيضاً ملحنة أغانى فيلم «الضحايا» إخراج ماريو فولبى 1935 الذى سقط من الموسوعة شأن فيلم «أنشودة الفؤاد» وكذا أغانى فيلم «السوق السوداء» إخراج كامل التلمسانى 1945 التى كتبها بيرم التونسى ولحنها المايسترو محمد حسن الشجاعى.. ربما لم يتيسر للباحث العثور على نسخ من هذه الأفلام ومن الممكن تدارك ذلك فى نهاية الموسوعة التى تدهشنا بمعلومات طريفة، غير متواترة، كأداء الفنانة أمينة رزق لأغنيتين «يا مراكبى والتليفون» فى فيلم «رجل بين امرأتين» إخراج إبراهيم لاما 1940 وهما من تأليف المخرج السيد زيادة الذى أسهم وغيره من المخرجين، كمؤلفين للعديد من أغانى الأفلام مثل المخرج حسن الإمام كاتب كلمات أغنية (البليباه فى فيلم «العامل» لأحمد كامل مرسى) وأحمد بدرخان (أغنية ياللى قلبى بيناديكى فى فيلم «أحلام الشباب» لكمال سليم)، أو أن أغنية (اضحك كركر لليلى مراد) من ألحان الموسيقار محمد القصبجى صاحب (رق الحبيب)! وأن الموسيقى الكبير محمود الشريف غنى بصوته أغنية (يا تلتميت صفارة) فى فيلم «الواجب» لبركات 1948، هو ملحن أغنية (بطلوا ده واسمعوا ده) و(تحت الشباك لمحتك ياجدع!) من كلمات بديع خيرى فى فيلم «لعبة الست» إخراج ولى الدين سامح الذى عرض فى عام 1946 وليس عام 1943 كما ورد بالموسوعة (ص 399/الجزء الأول). ربما تصادفنا فى هذه الموسوعة الضخمة ملاحظات أخرى مثل عدم وجود فهارس نوعية تيسر للقارئ متابعة أعمال كل فنان على أن يشتمل الجزء الأخير من الموسوعة على الفهارس الكاملة، وهو ما نثق فى قدرة الباحث والناقد محمود قاسم على تنفيذه استكمالاً للفائدة وتتويجاً لجهده الفائق الذى يُحمد له وإصراره على اقتحام هذه المساحة الغائبة والمرهقة فى الثقافة السينمائية، ليوفر للقارئ العادى والمتخصص مادةً بالغة الثراء والأهمية، وتحيةً للهيئة العامة لقصور الثقافة، التى أتاحت لهذا العمل الكبير أن يظهر للنور ويصل، بسعر زهيد، إلى الجمهور العريض.